التأمين الصحي للمهاجرين واللاجئين… وعد مع وقف التنفيذ

شمس بوست: ليلى العابدي العلوي

لا يعرف عدد من الأطباء والممرضين الشيء الكثير عن اتفاقية 2015  بين عدد من الوزارات، يستفيد بموجبها المهاجرون واللاجئون المقيمون بالمغرب بصفة قانونية من الرعاية الصحية الأولية والخدمات الاستشفائية الأساسية، المماثلة لنظام المساعدة الطبية  لذوي الدخل المحدود  (راميد)

ويستفيد المهاجرون واللاجئون ، بموجب هذه الاتفاقية، من الخدمات اللازمة طبيا والمتوفرة في المستشفيات العمومية والمؤسسات العمومية للصحة والمصالح الصحية التابعة للدولة ، حسب القوانين والمساطر الجاري بها العمل.

فعلى الرغم من التزام المغرب خلال الإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء،  في محور الصحة بضمان ولوج المهاجرين واللاجئين للعلاج بنفس الشروط المتوفرة للمغاربة والعمل على تنسيق عمل الجمعيات في مجال الصحة، وكذا توقيع المغرب للاتفاقية تمكن المهاجرين واللاجئين من الاستفادة من بطاقة “الراميد”، إلا أن هناك صعوبات كبيرة لعدد من المهاجرين في الاستفادة من خدمات المستشفيات ، خصوصا المستشفيات الجامعية.

 

صحة المهاجرين إلى حين

سقط مهاجر غير نظامي بمدينة الرباط مغمى عليه، اتصل أصدقاؤه بسيارة الإسعاف التي جاءت سريعا وأخذوه لمستشفى السويسي حيث خضع لفحوصات طبيبة مستعجلة“.

هكذا يحكي “عمر سنغي” مهاجر سينغالي حل بالمغرب منذ 6 أشهر ، قصته مع المستشفى، مستدركا بالقول “هناك حالات أخرى لمهاجرين  يرفض الأطباء إجراء الفحوصات عليهم، ولكن لا نعرف لماذا “.

عمر توقف عن الكلام للحظات قبل أن يمضي قائلا “بالمغرب هناك فرص للعمل ولو أنها موسمية، ولكن يبقى مجال الصحة أبرز تخوف للمهاجرين، وهو توجس يأتي قبل الحصول على أوراق الإقامة بسبب المشاكل في التواصل أساسا، ورفض عدد من الأطباء إرجاء فحوصات على المهاجرين السريين“.

ونفى”عمر ناجي” رئيس فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بالناظور، تفعيل لاتفاقية 2015 التي تسمح للمهاجرين الاستفادة من التغطية الصحية وفق نموذج كبطاقة راميد .

وقال ناجي في تصريح لشمس بوست إنه” لا وجود لأي تفعيل لهذه الاتفاقية في موضوع التغطية الصحية على أرض الواقع“.

وأضاف ناجي أن “الحق في الولوج للمرافق الصحية يكفله القانون الدولي للجميع، فالمواثيق الدولية لا تحدد هل الشخص لاجئ أو مهاجر  “.

وأكد ناجي أن “المغرب صادق على مجموعة من الاتفاقيات التي تضمن هذا الحق، والدستور المغربي يتحدث عن الحق في العلاج في حدود الإمكانيات المتاحة من طرف الدولة بالمستشفيات“.

وأفاد ناجي أن “المهاجرين يستفيدون من بعض الخدمات الصحية، مثلا بالناظور تستفيد الحوامل من فرصة الولادة بالمستشفيات، وفي بعض المناطق فقط تكون الاستفادة سهلة“.

وأبرز أن ” استفادة المهاجرين في عدد من المناطق الأخرى في البلاد من خدمات المستشفيات أمر صعب ، بحسب إفادات لمهاجرين ، مثل العاصمة الرباط“.

وقال ناجي إن ” الخدمة الصحية للمهاجرين مضبوطة قانونيا بدورية أصدرها وزير الصحة الأسبق محمد الشيخ بيد الله والذي نصت  إمكانية استقبال المهاجرين من طرف المستشفيات“.

وشدد ناجي على أن المطالب الحقوقية اليوم هي “تنزيل الاستفادة من الراميد بالنسبة للمهاجرين بصفة عامة سواء تمت تسوية وضعيتهم بالمغرب أو لم تتم، خاصة أن الكثيرين اليوم يعيشون بغابات بالشمال ولا يستفيدون من أي شئ“.

ولفت ناجي إلى أنه ” رغم إمكانية الولوج للمرافق الصحية  بالنسبة للمهاجرين، إلا أن الأمر لا يسري على المهاجرين الذين لم يسوو وضعيتهم بعد، لكونهم يخافون من القبض عليهم من السلطات في حال رغبتهم النزول من الغابة والالتحاق بالمرافق الصحية“.

و تفرض المستشفيات الجامعية ضرورة التوفر على بطائق التعريف أو التأشيرات كشرط أساسي من أجل السماح للمهاجرين الاستفادة من الخدمات الطبية.

وتأتي هذه الصعوبات على الرغم من أن النظام الداخلي للمستشفيات لعام 2011 ينص في مادته 57 على ضرورة استقبال المرضى غير المغاربة في المستشفيات بغض النظر على وضعيتهم القانونية، وحسب ذات المادة” يقبل المرضى أو الجرحى غير المغاربة كيفما كانت وضعيتهم طبقا لنفس الشروط المقررة للمغاربة، وتتم إجراءات  فوترة الخدمات المقدمة لهم طبقا لنفس الشروط إلا في حالة وجود اتفاقيات العلاج بين المغرب و الدولة التي يعتبر المريض من رعاياها“.

ومن بين الإشكالات الإجرائية التي تحول دون استفادة المهاجرين من الخدمات الصحية بالمستشفيات، غياب المعلومة، حيث لا يعرف المهاجرون إلى أي جهة يتوجهون.

ويجد عدد من المهاجرين صعوبة في الاستفادة من الخدمات الصحية بالمستوصفات بسبب ضرورة التوفر على شهادة السكنى ، وهو الأمر الصعب بالنسبة للمهاجرين النظاميين أو غير النظاميين، لكون عدد كبير منهم يكترون شقق بدون عقود كراء.

 

الحكومة تولي أهمية لصحة المهاجرين

وقال مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة في تصريح لشمس بوست، إن التغطية الصحية لفائدة المهاجرين يعتبر من بين أولويات الحكومة ، خصوصا أنه  يدخل في إطار تسوية وضعيتهم.

 وأوضح الخلفي أن الحكومة عملت على تعبئة الموارد المالية والوفاء بمقتضيات الاتفاقية التي تم توقيعها سنة 2015، والالتزام بمضامينها.

وأضاف الخلفي أن الحكومة عملت على التفاعل إيجابا مع مقتضيات مقترح قانون قدم بمجلس النواب، من طرف فرق العدالة والتنمية، والحركة الشعبية، والتجمع الوطني للأحرار، والتقدم والاشتراكية، يقضي بتغيير وتتميم المادة 118 من القانون 65.00 المتعلق بمدونة التغطية الصحية.

وينص التعديل المقترح، على تمكين المهاجرين في وضعية هشاشة المقيمين بطريقة شرعية والحاصلين على أوراق الإقامة لمدة لا تقل عن خمس سنوات، أو الذين تربطهم علاقات ثنائية مع المغرب بموجب الاتفاقيات الدولية، من المساعدة الطبية التامة، وذلك على أن تحدد بنص تنظيمي كيفيات وشروط استفادة هذه الفئة من الخدمات الطبية، والمؤسسات الموكولة لها هذه المهمة.

واعتبر الخلفي أن تفاعل الحكومة جاء من أجل التأكيد وتثبيت المبدأ بالرغم من أن المقتضيات القانونية الحالية تتيح ذلك كضمانة مؤسساتية,

 وقال إن الأمر جزء من المقتضيات المرتبطة بتسوية الوضعية التي تشمل الصحة والتعليم والتشغيل والسكن.

وجوابا على سؤال هل بدأت الاستفادة من بطائق  المساعدة الطبية لفائدة المهاجرين، قال الخلفي إن المشروع في تقدم .

وتم التوقيع على اتفاقية شراكة بين الوزارة المنتدبة لدى وزير الخارجية المكلفة بالمغاربة المقيمين في الخارج وشؤون الهجرة، والوكالة الوطنية للتامين الصحي بتاريخ 28 مارس 2017، لإصدار  بطائق المساعدة الطبية للفائدة المهاجرين، والتي سيقدمونها أثناء طلب الخدمات الصحية بالمستشفيات العمومية.

وقال أنس الدكالي وزير الصحة، إن المغرب يعتبر نموذجا متميزا في مجال وضع برامج صحية لفائدة المهاجرين.

 وذكر الدكالي، خلال جلسة مفتوحة حول “الأمن في مجال الصحة العمومية” انعقدت في إطار أشغال منتدى كرانس مونتانا مارس 2018، أن المغرب يعتبر من الدول الأولى على صعيد القارة الإفريقية الذي أعد إستراتجية في المجال الصحي لفائدة المهاجرين وخاصة الأشخاص الذين تمت تسوية وضعيتهم، مبرزا أن البرنامج الوطني الخاص بالنهوض بصحة المهاجرين يتضمن تقديم خدمات علاجية والتشخيص والتكفل بالأمراض الوبائية مجانا لفائدة المهاجرين فوق التراب المغربي.

وتم التوقيع في 26 من أكتوبر 2015 بالرباط، على اتفاقية إطار للشراكة والتعاون يستفيد بموجبها المهاجرون واللاجئون المقيمون بالمغرب بصفة قانونية من الرعاية الصحية الأولية والخدمات الإستشفائية الأساسية المماثلة لسلة علاجات نظام المساعدة الطبية (راميد).

ووقع الاتفاقية ، التي تأتي تفعيلا للإستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء التي ينهجها المغرب في شقها المتعلق بإدماج المهاجرين واللاجئين اجتماعيا، وزارة الداخلية  والوزارة المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة  و وزارة الاقتصاد والمالية  ووزارة الصحة  و وزارة  الخارجية والتعاون.

و تتضمن الإستراتيجية الوطنية في مجال الهجرة واللجوء،  تدابير إجرائية تخص ضمان الحصول على العلاج في المستشفيات المغربية.

ووضعت  هذه الاستراتيجية هدفين، لولوج المهاجرين المقيمين على التراب المغربي للخدمات الصحية،  تسهيل ولوج المهاجرين واللاجئين للخدمات الصحية بنفس شروط استفادة المواطنين المغاربة، و تنسيق عمل الجمعيات العاملة في مجال الصحة.

ونصت الإستراتيجية على عدد من  تدابير إجرائية لتحقيق ولوج المهاجرين للخدمات الصحية، منها إدماج المهاجرين النظاميين واللاجئين في برنامج “راميد” أو خلق نظام للمساعدة الطبية خاص بهم.، والتحسيس بأهمية الولوج للخدمات الصحية، وتقوية قدرات العاملين في القطاع الطبي في كيفية التواصل مع المهاجرين، وإدماج المهاجرين واللاجئين في البرامج الخاصة بقطاع الصحة.

 

الهاجس الأمني

قال حسن بنطالب صحافي متخصص في مجال الهجرة إن “هناك ضرورة أولا لتصحيح مغالطة، حيث إن اتفاقية 2015 لا تعني استفادة المهاجرين من بطاقة الراميد، بسبب القانون المنظم للاستفادة من البطاقة والذي يجعل الأمر مقتصرا على المواطنين المغاربة فقط، فالنظام المقترح يبتغي تنزيل نموذج شبيه ببطاقة راميد“.

وأضاف بنطالب في تصريح لشمس بوست أن ” نظام راميد يتضمن عدة مشاكل كبيرة فنحن اليوم نتحدث عن 12 مليون بطاقة راميد لكن هناك مشاكل الانتظار، العناوين غير المضبوطة، أو التي لا تمكنك من الاستفادة من الخدمات الطبية في مدينة غير التي استخرجت منها البطاقة، وعدم الاستفادة من التحليلات الطبية“.

واعتبر بنطالب أن “اعتماد اتفاقية 2015 كان بالأساس من أجل التواصل السياسي، وفق السياق الموجود خلال تلك الفترة والذي تم خلاله الإعلان عن الكثير من السياسات التي تهم الهجرة“.

وأوضح أنه ” لوحظ نزوع السلطات لترجيح الهاجس الأمني بقوة أي ما يتعلق بالمراقبة والضبط على مستوى الحدود، وتغييب ملف الهجرة في المقابل، خلال السنوات القليلة الماضية“.

وتابع ”  لم تعد نسمع عن سياسة للإدماج أو حملة لتسوية الوضعية، والمهاجرون يعانون من العديد من المشاكل حاليا، فإن تم تجاوز تأمين التعليم في المراحل الأولى، هناك مشاكل كثيرة على مستوى التعليم الجامعي والتكوين المهني.

ولفت بنطالب إلى أن ” الدولة اليوم لها أولويات أخرى أهم من الهجرة“.

 

تم إعداد هذا التحقيق الصحافي في إطار مشروع “الإعلام والهجرة”، الذي تم تنفيده من طرف المنتدى المغربي للصحافيين الشباب والممول من طرف هينريش بل -الرباط المغرب

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)