قبيلة ” الزيامة” في تاونات.. أسرار قرية بُنِي مسجدها في ليلة وزَارها الفيلسوف ابن رشد!

لا أحد يستطيع تفكيك أسرار قرية ” الزيامة” بضواحي تاونات. حكايات يتداولها سكان القبيلة، ويعيدون بواسطتها إنتاج مُتعة التحاور مع التاريخ؛ تاريخ ممتد في الزمن، كما أنه ممتد في المكان أيضا، بالنظر إلى احتضان القرية لضريح الإمام راشد بن رشيد الوليدي، العالم، والفقيه، دفين دوار الصف.

موقع ” شمس بوست” بحث في أسرار قرية الزيامة، ونقل المسكوت عنه حول منطقة ناطقة بعبق الماضي، لكنها ما زالت تعيش التهميش.

قرية الزيامة.. بطاقة عبور!

يقع دوار الزيامة في جبل ” الصف” نواحي جماعة بني وليد، تحدُّه دواوير عين عبدون، الطرقية، أمسكير.. منازله متراصة في القمة وخلف الجبل الصخري.

كل زائر لقرية الزيامة لابد له أن يمر عبر هضبة ” عين بدر”، وأن يشدَّه بصره نحو غابات جبل درينكل، وحقول مزيلة وبني وليد، وهذه المكونات تخلق مع وادي ورغة وسماء سيدي سوسان توليفة خاصة تحقق جاذبية المكان، وتمنح زائره فرصة التعرف على التاريخ في حضرة أحد أولياء الله ” سيدي رشيد”.

محمد الزوهري، الإعلامي والإطار الجامعي، يربط بين قرية الزيامة وضريح راشد بن رشيد الوليدي، أحد علماء زمانه، الذي عاش خلال العصر الموحدي، واستقراره بقبيلة بني وليد، حسب ما ورد في مذكرات الأستاذ الزوهري، كان له تأثير كبير على أبناء القبيلة، وهو ما يعني أن القرية جذورها ممتدة في الزمن، وهذا الطرح يزكيه عاهد ازحيمي، أستاذ باحث في التاريخ، يربط بدوره بين القبيلة وامتداداتها في الماضي من خلال استحضار تاريخ استيطان ” سيدي رشيد” حوالي القرن 12م، منبها، في حديثه مع ” شمس بوست”، إلى أن منطقة بني وليد ذُكرت في كتاب “المغرب المجهول” لأوجيست مولييراس، لكن المؤلف وقع له خلط بين شخصية راشد بن رشيد الوليدي والفيلسوف العربي أبو الوليد بن رشد، حيث جمعهما في شخصية واحدة.

سكان ” الزيامة”.. حرفة بوك لا يغلبوك!

ساكنة ” الزيامة” تتعاطى عبر التاريخ حرفا متنوعة؛ الفلاحة والحِدادة وتربية المواشي، فضلا عن حرف أخرى استطاعت أن تضمن بها استمرارها كالتجارة، قبل أن يخترق شبابها، منذ عقود، مناصب مهمة في الدولة، لكن حال ” الزيامة” ظل كما هو عليه؛ افتقار كبير لشروط العيش في الجبال، خاصة على مستوى البنيات التحتية الأساسية، وغياب تام لاستثمار الموروث التاريخي، والتعريف بمؤهلات المنطقة السياحية.

يتذكر فلاحو قبيلة بني وليد الأدوار التي كان يطلع بها الحدّاد، على اعتبار أن قرية الزيامة كانت مشتلا ” عائليا” لتعليم حرفة الحدادة، وضمان استمراريتها، على الرغم من تراجع الطلب على الحدّاد وصِنعته، وحيث أن التعاطي لهذه الحرفة تغلغل في البنية المجتمعية القبلية، فإن طرق أداء أجرة الحدّاد تنوعت؛  بين النقد ومعاملات ” شرطية” أخرى جرى التعامل بها عرفا، وما زال نشاط الحدّاد يقاوم في ظل زحف التكنولوجيا الحديثة، وهجرة سكان الجبال نحو المدن أو المراكز الحضرية، وما صاحبها من تحوٌل في التعاطي مع الأرض.

الضريح والمسجد.. أسرار التاريخ!

قرية الزيامة معروفة بضريح ” سيدي رشيد”، كما أنها مشهورة بمسجد ما زالت الأساطير تحيط به من كل جانب.

الراشدي عبد الرحيم، المعروف وسط الساكنة ب” الحاج عبد الرحيم”، واحد من أبناء القبيلة المجاورين لدوار الزيامة، وأحد العارفين بخبايا دوار ” الصف”، يحكي ل”الموقع” تفاصيل مهمة حول طقوس القبيلة، وارتباطها بضريح راشد بن رشيد الوليدي، وهي طقوس ظلت مصاحبة لسيرورة ساكنة بني وليد على امتداد عقود من الزمن؛ حيث امتزج الثقافي بالتراثي، والديني بالدنيوي، مما جعل المنطقة منارة لكل باحث عن المناجاة في ضيافة ولي الله.

الراشدي عبد الرحيم يحن لزمن ” الموسم”، ويتمنى إعادة إحياء الموروث السوسيو اعتقادي، ليس من باب إعادة إنتاج الخرافة، وإنما من منطلق تجديد الارتباط بالتراث كهوية.

من جانبه تحدث عبد الرحيم التوزاني، ناشط ” فيسبوكي” مجاز في الحقوق، حول مسجد “صف الزيامة” باعتباره من أقدم مساجد المغرب، وعلى الرغم من غياب معطيات دقيقة حول هذه المعلمة التاريخية، يرجح التوزاني أن يكون تاريخ التشييد خلال القرن 12م،  فيما أرجع محمد التوزارني، شقيق عبد الرحيم، مجاز في العلوم، تاريخ بناء المسجد لفترة استقرار العالم ” سيدي رشيد”، صاحب كتاب ” الحلال والحرام”، موضحا ل” شمس بوست” أن إشارات كثيرة في هذا الباب تضمنها الكتاب.

وعلى الرغم من الملاحظات التي تحوم حول مضمون كتاب “الحلال والحرام”، فإن تفاصيل حياتية أخرى، يؤكد التوزاني محمد، تبين أن دفين قرية الزيامة كان يسكن في موقع مجاور للمسجد، وكان يستغل نبع ماء عبر قنوات طينية تحتية، في صورة توضح تاريخ القبيلة، التي ينتسب أهلها لمنطقة الريف.

المسجد والفيلسوف ابن رشد.. اللغز !

من الأساطير التي ظل الأهالي يرددها حول مسجد الدوار، ومعه ضريح ” سيدي راشد”، ما يتعلق ببعض ” المعجزات” الربانية”، التي أشار إليها الأستاذ الزوهري في مذكراته، حيث قال :” هذا المسجد أحيطت به أسطورة تقول إنه بني في ليلة واحدة، وقد ذهل الناس في صباح أحد الأيام بوجوده مشيدا وفق طريقة بناء قديمة..”.

وتطرق الأستاذ الزوهري إلى تفاصيل مثيرة حول حياة العلامة والفقيه ” راشد بن رشيد الوليدي”، خاصة في ما يتعلق ب” معجزاته”، وإشراقاته، حيث أشار إلى أن ” سيدي رشد احتضن خلال إقامته بدوار الصف ، الفيلسوف الأندلسي والعربي ابن رشد، الذي ذكر في أحد كتبه أنه كان يتردد على الوليد ويقيم عنده ما شاء من الأيام”، وقد يتعلق الأمر، حسب المتحدث نفسه، بتأكيد علو كعب دفين الزيامة في مجال العلوم الشرعية، ومكانته الفكرية في تلك المرحلة التاريخية.

السؤال: لماذا تهميش هذا الموروث الحضاري والثقافي !

السؤال الذي ظل يتردد بين شباب المنطقة، وبالأخص بين المهتمين بالتراث والسياحة الجبلية، هو ما الذي يجعل الجهات المعنية تواصل تهميشها لمسجد بني قبل أزيد من 8 قرون، ولضريح شكل في لحظات من التاريخ قبلة الباحثين عن المناجاة في سماء ” دوار الصف”؟

وعلى هذا الأساس، اقترح أحمد الغازي، أحد أطر الدولة، وصاحب رواية ” القمر والبحر” الشهيرة، تنظيم يوم دراسي للتعريف بما سبق ذكره، والتحسيس بالمؤهلات التي يمكن أن توظف لخلق لبنة للسياحة الدينية والثقافية والجبلية بهذه المنطقة، والعمل على النبش  فيما طمسته السنين.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)