بوعرعار كريم : قصة مغربية لنجاح ملهم

كريم بوعرعار
حدث غير مسبوق ، ذلك الذي عاشته جامعة محمد الأول يوم الثلاثاء 23 مايو 2023 ، يوم متميز في سجل تاريخ جامعة محمد الأول . في هذا اليوم استضافت الجامعة أحد أعلام ورواد المترجمين في العالم وخصوصا في العالم العربي والأفريقي ليلقي محاضرة حول ” تحديات الترجمة القانونية “.
كانت المحاضرة بالمدرسة العليا للتكنولوجيا وبحضور ثلة من الأساتذة وقد سير النشاط بشكل مقتدر الأستاذ حسن حراك من المدرسة العليا للتكنولوجيا حيث كانت تعليقاته وتعقيبه على مداخلة الأستاذ المحاضر ذكية وفي صميم الموضوع.
كريم بوعرعار رفقة محمد سعدي
كريم بوعرعار رفقة محمد سعدي

لغته الأم هي الأمازيغية الريفية ، وهو مواطن مغربي وسويسري في آن واحد ، خبير دولي في الترجمة الشفهية والتحريرية من وإلى أربع لغات هي اللغة العربية والانجليزية والفرنسيةوالأسبانية مع إجادة متقدمة للغة الألمانية والروسية. كان وأصبح اليوم بعد تقاعده المهني مرجعية دولية لا غنى عنها قي مجال التكوين والتأطير الأكاديمي في الترجمة الفورية والمراجعة اللغوية وتوفير الترجمة في المحافل والأنشطة الدولية . ورغم تقاعده فهو ما يزال يتعلم ويتتلمذ، حيث بدأ في تعميق معرفته باللغة الروسية قصد التمكن من إتقانها ، وطموحه البدء في تعلم اللغة العبرية والفارسية.

له تجربة ممتلئة فريدة من نوعها ، فسحت له الترجمة التحريرية والشفهية الولوج والمغامرة في عوالم الترحال المستمر من جنيف نحو جل الدول وكل ثقافات العالم. طوال 27 سنة من مساره المهني الحافل اشتغل مترجما في أكثر المناطق سخونة وتوترا وعايش الكثير من الحروب الأهلية بأمريكا اللاتينية ( خصوصا بالسالفادور) .
وكان عليه أن يتعامل ليس فقط مع التطويع اللغوي بل مع سياقات مختلفة ومتحولة تفرض عليه استعمال نفس اللغة لكن بتركيبة ونبرات وخلفيات ثقافية مختلفة وفق المخاطب ، هل هو طبيب أم ممرض أم رئيس دولة أم عسكري أم أكاديمي ؟… ( يسمى في علم الترجمة بالمترجم الحربائي Le traducteur caméléon ). لكن كانت له أيضا فسحات وفرص للعمل في ظروف مريحة ومحفزة كمترجم في العديد من العواصم العالمية.

باعتباره كبير مترجمي ومراجعي القسم العربي للجنة الدولية للصليب الحمر بجنيف كانت له الفرصة للالتقاء برؤساء دول وحكومات ووزراء وكبار المسؤولين بالمنظمات الدولية بما فيها منظمة الأمم المتحدة وكبار قضاة المحاكم الدولية وكبار العسكريين ورجال الشرطة والأطباء والأكاديميين والشخصيات السياسية العالمية. قام بزيارة السجناء في الكثير من مناطق العالم ،وزار في إطار عمله كمترجم مرات عدة أشهر المعتقلات في العالم خصوصا منها معتقل غوانتنامو .
كما شارك في مهمات ميدانية في معظم المناطق الجغرافية بالعالم بما فيها مناطق التوتر. وكان حاضرا بالسالفادور وفلسطين في 2001 وأفغانستان في 2002 وبالطبع بسجن غوانتانامو لسنوات طويلة ….
من مواليد 10 غشت 1955 في بيئة أمازيغية ريفية ، حصل على شهادة الباكالوريا تخصص الآداب العصرية عام 1977 وعلى شهادة الأجازة في اللغة الانجليزية آداب ولسانيات في يونيو 1981 من جامعة محمد الخامس بالرباط . اشتغل مترجما لسنتين بأحدى الوزارات المركزية بالرباط ثم توجه لجنيف عاصمة الترجمة والمحافل الدولية ليتابع دراسته في مدرسة الترجمة التحريرية والشفوية بجنيف (École de traduction et d’interprétation (ETI)) والتي ستتحول عام 2011 إلى كلية الترجمة بجامعة جنيف ) وهي إحدى أعرق وأقدم مراكز التدريب والبحث في الترجمة في العالم وتتمتع بمكانة فريدة بين كل مراكز الترجمة عبر بقاع العالم. وتخرج منها في سبتمبر 1985 بحصوله على شهادة الماجستير ، ليشتغل لمدة طويلة باللجنة الدولية للصليب الأحمر كمراجع ومترجم رئيسي ، وفي بداية التسعينات ولمدة خمس سنوات كان هو الناطق الرسمي للجنة الدولية للصليب الأحمر. عام 2015 بدأ في تدريس الترجمة بكلية الترجمة بجنيف.
دائما ما يكون على أهبة الاستعداد للسفر، وحقيبة ملابسه وأغراضه مفتوحة على الدوام ، ففي كثير من الأحيان كان هاتفه يرن في ساعة متأخرة من الليل أو في الصباح الباكر ويُطلب منه جمع أغراضه بشكل مستعجل والاستعداد للسفر لتغطية الترجمة في لقاءات دولية بعد أن وقع رفض أو سوء تفاهم المنظمين مع مترجمين آخرين فيستقر رأيهم و ويصرون على حضوره للقيام بمهمة الترجمة.
الأستاذ كريم إنسان محبوب ومحل ثقة الجميع في الملتقيات والمحافل الدولية ،بالصدفة وفي عدة مرات وجدت الكثير من أصدقائي الموظفين الدوليين بجنيف خلال لقاءات عابرة يتحدثون عنه بشكل لائق فيه الكثير من الاحترام لشخصه وكفاءته وسخائه وهدوءه ونبله وتواصله وروحه المرحة .
ينتمي الأستاذ كريم بوعرعار لفصيلة الديناصورات الفكرية التي هي في طريقها للانقراض ، فهو ذو ثقافة موسوعية عابرة للتخصصات تجمع بين التمكن من اللغات والثقافات المرتبطة بها والقانون والجغرافيا والتاريخ، وعلم اجتماع اللغة، والقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الجنائي الدولي،والقانون الدولي للجوء ،وله خبرة في المحاكم الجنائية الدولية ( المحكمة الجنائية الدولية، المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا سابقا،…) وليس غريبا أن يردد أمامك فصولا بأكملها من نظام روما بمختلف اللغات ، أو أن يكون على علم بأشهر القضايا القانونية الدولية التي طرحت أمام القضاء الدولي ، وليس غريبا أن يكون ملما بالتباينات الموجودة بين مختلف الأنظمة التشريعية بالعالم العربي. وله المام عميق بالقانون الدولي الأنساني والعمليات الأنسانية ، ودائما ما يتم استدعاؤه في الدورات التكوينية المتخصصة في هذا المجال.
شاءت الأقدار أن نلتقي بمدينة وجدة وبجامعة بجامعة محمد الأول بعد سنوات عن آخر لقاء بجنيف جمعنا صحبة مجموعة من الأصدقاء بمقهى على مقربة من بحيرة ليمان الفاتنة ، وكان أول ما نطق به عند رؤيتي : ” العالم صغير “. وكما عهدته دائما ما زال مرحا ، نشيطا وراقيا في تعامله .
خلال المحاضرة كلما صفق الطلبة على فكرة من أفكاره إلا وانحنى وأيديه مشبوكة عند الحضن على طريقة التحية اليابانية “أوجيكي”، وكلما سمع إطراءا أو كلاما يشير لمكانته وخبرته أو ذكرا لمناقبه و… و… يردف بسرعة قائلا ” استغفر الله” .
في مقابلة مع الأستاذ كريم بوعرعار سُئل عن ماذا تعني له الترجمة ؟ فكان جوابه على الشكل التالي : ” أن تكون مترجما ومراجعا هي مهنة نبيلة ولكنها أيضًا مليئة بالتحديات. إنها وظيفة تتطلب الكثير من المهارات والصبر والثقافة العامة الموسوعية والمهارات اللغوية. لهذا السبب نصحت طلابي والمترجمين التابعين لي دائما بالقراءة بجميع لغات العمل الخاصة بهم. ليس فقط الصحف والمجلات ، ولكن قبل كل شيء الكتب. عليك أيضًا أن تكون فضوليًا ومهتمًا بموضوعات مختلفة (…) سمح لي هذا باكتشاف الشعوب الأخرى والثقافات الأخرى والحضارات الأخرى. لطالما كان تعلم اللغات الأجنبية والسفر هما شغفي الكبير. ومع ذلك ، لم يكن من السهل دائما أن أنغمس في ذلك أثناء عملي بدوام كامل ، على الرغم من رحلاتي العديدة حول العالم”.
على المستوى الأكاديمي أشرف الأستاذ كريم بوعرعار على ترجمة مجموعة من الكتب ، منها:
– دراسة القانون الدولي العرفي: جان ماري هينكيرتس ولويز دوسوالد بك. دار النشر كمبردج.
-كيف يحمي القانون الدولي الإنساني؛ للبروفيسور ماركو ساسولي والسيد أنطوان بوفييه .
– تقنيات جراحة الحرب للدكتور الجراح مايكل كوبلاند.

يشهد الأستاذ كريم بوعرعار بأن للمغاربة باع طويل وشأن في عالم الترجمة بالمحافل الدولية، فهم متمكنون من الترجمة بدقة ووفق قواعدها وضوابطها ويتحدثون اللغات بفصاحة قل مثيلها ، وأصبحت لهم مكانتهم الدولية المحفوظة في عالم الترجمة والمراجعة اللغوية . واليوم يحمل مغربي آخر المشعل ،إنه الأستاذ محمد أكمادان ابن إداوتانان بسوس والذي حصل على أعلى نقطة في اختبار الترجمة الدولية على صعيد جميع العواصم العالمية التي اجري فيها الاختبار، ليبدأ مسارا حافلا ومتميزا بنيويورك ، بيرن ، فيينا وليتوج هذا المسار بتعيينه عام 2017 رئيسا لقسم الترجمة بمقر الأمم المتحدة بجنيف حيث أصبح مشرفا على طاقم كبير من المترجمين، عدد كبير منهم مغاربة.
حاولت استدراجه عند نهاية محاضرته الممتعة ليتحدث ولو كلمات بالريفية، وحين التقاط صورة مع مجموعة من الطلبة بعضهم من الريف ردد أكثر من مرة ” ثروا نتمورث” ” أبناء الأرض” .
يستحق الأستاذ كريم بوعرعار كل التكريم والاعتراف، وأنا فخور ومعتز بمعرفته ، وهو بحق سفير ودبلوماسي لغوي متجول بارع أسهم في تقديم صورة مضيئة ومشرفة ومشرقة عن وطنه ويمكن لكل مغربي أن يعتز ويفتخر بها .
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)