الأمهات المرضعات بالمغرب… نساء لا يرحب بهن الفضاء العام!

 

يعانين الأمرين، فمن جهة يجدن أنفسهن أمام كائنات هشة تستدعي منهن الانتباه والعناية طوال الوقت، ومن جهة أخرى يجدن أنفسهن غير مرحب بهن في المجتمع، بعدما أصبحن يحملن لقب الأم المرضعة. هذا هو حال الأمهات الجديدات بالمغرب، إذ أصبح الفضاء العام مصدر إزعاج وإحراج كبير لهن، وتعيشن تفاصيله بالكثير من الألم والمعاناة.

“بكل صدق، يؤسفني أن نكون في سنة 2022، ولا زلنا نحن كأمهات نتحدث عن المعاناة اليومية التي نُواجهها في كُل مرة نُريد إرضاع أطفالنا سواء داخل العمل أو في المطاعم والمراكز التجارية الكُبرى” بهذه العبارات تروي عائشة شنعان (صحفية وأم لطفلة) تفاصيل معاناتها من غياب أماكن مخصصة للأمهات المرضعات في الفضاء العام.

الحليب الاصطناعي بديلا لحليب الأم

وتقول عائشة في مقابلة مع “شمس بوست”: “شخصيا، أرضعت صغيرتي لمدة ستة أشهر، وكنت أجدني مضطرة بتقديم الحليب الاصطناعي في زجاجات الرضاعة لابنتي عندما نكون في خرجة عائلية، وكانت المعاناة مضاعفة خلال التجول داخل المركبات التجارية الكُبرى”.

قبل أن تضيف بالقول:”المؤسف، أن المركبات التجارية الكبرى التي تستقبل يوميا المئات من النساء من أجل التسوق لأبنائهم، لم يُخصص لهن فضاء ولو صغير جدا، لإرضاع الأطفال بكل راحة بعيدا عن أنظار المارة، وفي معظم الحالات، نجد فضاءا يتيما لتغيير الحفاظات، وتضطر الأمهات إلى الانتظار دقائق طويلة من أجل تحرير الفضاء واستغلاله”.

وفي هذا السياق تقول الناشطة النسائية بشرى عبدو رئيسة جمعية التحدي في مقابلة مع شمس بوست، أن الأمهات المرضعات يواجهن مشكلا حقيقيا في الشارع العمومي.

قبل أن تضيف بالقول أن المرأة المرضعة حينما ترغب في إرضاع صغيرها في الفضاء العمومي، في المقهى أو في الحديقة، فسيمارس عليها عنف من نوع آخر، عنف نفسي ولفظي وقد يصل الأمر للتحرش، مشيرة إلى أن”حينما تتوفر أماكن خاصة للأمهات المرضعات، فذلك سيساعدهن على تجاوز الإحراج والخجل وكذا الإزعاج”.

حقوق مهضومة

وتقدم منصة صحتي التابعة لوزارة الصحة في صفحة بعنوان: الرضاعة الطبيعية بالنسبة للمرأه العاملة، نصا يبرز على أن الرضاعة الطبيعية لا تشكل عائقا أمام المرأة العاملة، حيث كتب ما يلي :”قد يبدو أنّ الرضاعة الطبيعية والعمل أمران لا يمكن التوفيق بينهما خصوصا بعد انتهاء إجازة الأمومة حيث يتحتم على الأم العودة إلى عملها، إلا أنه وعلى العكس من ذلك فإن عملك لا يشكل عائقا يحول بينك وبين مواصلة الرضاعة الطبيعية، حيث أنه بإمكانك التوفيق بين الرضاعة الطبيعية والعمل بطريقة تناسبك وتناسب طفلك وعملك أيضا، حتى يستفيد طفلك من الفوائد الصحية العديدة للرضاعة الطبيعية”.

 


وينص القانون رقم 65.99 المتعلق بمدونة الشغل من المادة 152 إلى المادة 165 على أن الأم العاملة لها الحق يوميا في إرضاع طفلها أثناء ساعات العمل وفي استراحة خاصة مؤدى عنها وذلك طيلة السنة الأولى بعد الولادة؛ بالإضافة إلى أن المقاولة التي تشغل أكثر من 50 امرأة ملزمة بوضع رهن إشارة الأمهات العاملات غرفة للرضاعة تستجيب لمعايير النظافة والمراقبة؛ كما أن الأم العاملة لها الحق في رخصة الولادة لمدة 14 أسبوعا.

وترى عائشة شعنان أن هذه القوانين تظل الأمور حبر على ورق، والواقع مُغاير تماما.

قبل أن تضيف بحسرة :”نحن نعيش في مجتمع محافظ، وحتى الأمهات المنفتحات لا ترحمهن عيون المتطفلين الذي يُصوبون نحوها نظرات مثيرة للشفقة وكأنها تقوم بعمل غير لائق”.

وتضيف قائلة: “حاليا، أظن أن معظم الأمهات الموظفات يحلمن بإقامة حضانات في مقر العمل، أنا متأكدة أنهن مستعدات لأداء واجب شهري مقابل العمل والبقاء في الآن ذاته قرب فلذات أكبادهن والاطمئنان عليهم خلال أوقات الفراغ، خاصة بعد الفراق الأول عند مرور عطلة الولادة، ونحن نعلم جميعا تأثير غياب الأم على الطفل في السنوات الأولى من حياته”.

نتمنى في المستقبل القريب أن يُوفر المسؤولون بيئة مثالية لعمل الأمهات الموظفات، وتسهيل حياتهن اليومية لضمان إنتاجية أكبر.

نسرين من سيدة عادية إلى أم غير مرحب بها

في السياق ذاته، تقول نسرين جبيري وهي أم حديثة الولادة: “أنا شخصيا قبل أن أصبح أما كنت إمرأة عادية وتذهب لأماكن عامة، لا فرق بينها وبين الرجل، لكن بعدما أصبحت أما، فجأة وجدت نفسي مقصية من هذه الأماكن”.

“مثلا كابسط مثال إيلا بغيت نمشي نتفرج ماتش الكرة، كانحس بأنه غير مرحب بيا كأم حديثة الولادة”، بهذه العبارة تصف نسرين عمق الأثر النفسي الذي تعاني منه الأم المرضعة بالمغرب، إذ أنها مازالت تحس بأن المجتمع لا يرحب بها وبمولودها.

وتشير المتحدثة في مقابلة مع شمس بوست “ربما أن بكاء الأطفال يسبب إزعاجا للآخرين، وهذا أمر يمكننا تجاوزه، ولكن الإزعاج الأكبر هو حينما أرغب في إرضاع طفلي، فليس هناك أماكن مخصصة للإرضاع، واضطر لإرضاعه في المرحاض العمومي، والكل يعلم وضع هذه المراحيض”.

وتقول كنزة “أما إذا كنت أمتلك سيارة، فساضطر للذهاب حيث ركنت السيارة من أجل إرضاع طفلي، لأن لا يمكن لك أن تعري عن صدرك أمام العامة، فالجميع سينظر لك باستغراب ويعتبرن أن الأمر “قلة الحياء” وما إلى ذلك”.

قبل أن تضيف بأنه حتى في وسائل النقل العمومية تجد الأم المرضعة نفسها أمام معاناة أخرى، إذ أغلب وسائل النقل لا توفر أماكن خاصة بالأمهات المرضعات وأماكن خاصة بكراسي الأطفال، وهذا في اعتقادي ينافي الشعارات التي ترفعها الشركات المختصة في ذلك، حيث أن الواقع شيئ آخر واكثر قسوة.

وترى المتحدثة أنه حتى في الشارع العام تجد الأم المرضعة صعوبة بالغة في الجولان رفقة طفلها، إذ أن الطرقات والأرصفة لا تسهل المشي بعربة الأطفال.

في السياق ذاته، تؤكد الناشطة الحقوقية بشرى عبدو، أن وسائل النقل العمومية لا توفر مكانا خاص للأم المرضعة، حيث معاناتها تتفاقم حينما تكون مسافرة رفقة رضيعها لمسافة طويلة، مضيفة أن السفر الطويل يعتبر تحديا وعبئا كبيرا على الأم المرضعة، “لكم أن تتخيلوا المعاناة التي تعيشها أم مرضعة من أكادير إلى الدار البيضاء.. بالفعل معاناة حقيقية”.

وطالبت الناشطة الحقوقية بضرورة الانتباه لهذه المعاناة، التي تؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للأم المرضعة وتفاقم من معاناتها في مختلف الفضاء ات العمومية، مؤكدة في الوقت ذاته على ضرورة إيجاد حلول ملموسة وتخصيص أماكن لهاته الأمهات وأطفالهن.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)