حريق سوق تاوريرت.. حين يتحالف القدر وإهمال السلطات لإنتاج معاناة عمرها 10 سنوات

عقارب الساعة تقارب الواحدة والنصف بعد زوال أحد أيام غشت الحارّة، العطش والركود يشكلان الجو العام الذي يخيم على التجار والحرفيين بالسوق البلدي لتاوريرت، فلم يجد هؤلاء ما يهوّنون به على أنفسهم غير قيلولة قصيرة وأحاديث متقطّعة عن اقتراب أيام الرّواج التجاري التي تسبق العيد.

 

“العواشر” تعني عند التجار الأيام التي تسبق عيدي الفطر والأضحى، وخلالها يبيعون أكثر مما يباع طيلة باقي أيام السنة.. مما يجعلهم يدفعون كل مدخراتهم لاقتناء السلع استعدادا للرواج الذي يسم هذه الفترات من السنة، ولأجل ذلك يلجأ معظم التجار للإقتراض من المعارف أو مؤسسات القروض، إضافة إلى أن جل تجّار الجملة يقدّمون سلعهم مقابل شيكات على أساس استخلاصها بعد العيد.

 

ألسنة اللهب

 

مع تعالي صيحات الاستغاثة والإنذار من نيران مجهولة المصدر بدأ التجار في الركض بمختلف الاتجاهات والإتصال بذويهم لمساعدتهم في إنقاذ ما أمكن إنقاذه من السلع فيما وقف بعضهم مذهولا غير مدرك لما يحدث حوله، وبعد مرور ساعة أتت النيران على جزء كبير من السوق فيما استمر التجار في الركض لإنقاذ ما تبقى من “أرزاقهم” التي ذهب بجزء آخر منها اللصوص الذين ينتهزون فرص كهاته.

 

 

انتهى حريق السوق البلدي لتاوريرت بعد أن أتى على ما يزيد عن 1200 محل وخلف خسائر بالملايير غير أن حريق آخر اندلع داخل أنفس التجار سيستمر طويلاً بفعل تماطل السلطات واستخفافها بمعاناتهم، وبما كان يشكله هذا السوق كمركز تجاري بالمدينة اعتبر منذ سنوات مصدر رزق وحيد لمئات العائلات، إضافة إلى كونه عصب لإقتصاد المدينة، حيث نشطت على جنباته التجارات الموسمية المرافقة للأعياد وموسم الصيف ونهايات الأسبوع، إضافة إلى تجمهرات “الحلقة” وبائعي الأعشاب والأدوية “السّحرية” وألعاب الحظ والقمار مرورا ببائعي الخبز والشباكية في رمضان وألعاب الأطفال في أيام عاشوراء وغيرها…

 

سنوات الضياع

 

يقول عبد الرحمان حنو، عضو “التنسيقية المحلية لتجار وحرفيي السوق المحروق”، أن السلطات وعدت التجار المتضررين مباشرة بعد كارثة 25 غشت 2009 بتشييد مركب تجاري بمواصفات عصرية، بنفس مكان السوق المحترق الكائن وسط مدينة تاوريرت، في ظرف عامين.

 

وتبعاً لهذا الوعد، انتقل التجار إلى موقع في هامش المدينة حيث قاموا ببناء محلاتهم ليمارسوا فيها تجارتهم بشكل مؤقت خلال العامين التي سيستغرقها مشروع المركب التجاري.

 

أحد احتجاجات التجار بالرباط
أحد احتجاجات التجار بالرباط

 

مرت الشهور والسنون ولا خبر عن المركب التجاري.. خلال ذلك خاض التجار وقفات احتجاجية واعتصامات محلية وجهوية وعلى المستوى الوطني وعقدوا لقاءات مع والي جهة الشرق سابقاً، امحمد امهيدية، كما اجتمعوا بالوزير المنتدب لدى وزير الداخلية آنذاك، الشرقي اضريس، وقد عُيّنت لجنة وزارة للتحقيق في الملف، وحلّت بالفعل بالمدينة وأنجزت تقريرها وعقد التجار لقاءين مع الوالي، ووعدهم بلقاء ثالث للاتفاق حول كل المقترحات المطروحة من جانب كل الأطراف، غير أن هذا اللقاء لم يتحقق، كما لم تظهر النتائج النهائية لهذا التحقيق لحد الساعة.

 

ركود حاد يشهده السوق المؤقت، بسبب موقعه البعيد عن وسط المدينة، دفع بعشرات المتضررين لاكتراء محلات بأحياء المدينة ليمارسوا فيها تجارتهم وتخلوا عن محلاتهم بالسوق المؤقت مغلقة، بينما بحث المئات عن مصدر رزق في حرفة أخرى، ومنهم من غير المدينة، فيما غادر البعض الوطن بحثا عن فرص في الديار الأوروبية.

 

محلات مغلقة بسبب الركود في السوق المؤقت
محلات مغلقة بسبب الركود في السوق المؤقت

 

وللإستدلال على طول المدة، يقول حنو أن أزيد من 70 تاجر توفوا قبل أن يتسلموا محلاتهم.

 

جمعية لا تمثل التجار

 

يقول عبد الرحمان حنّو أن جمعية تأسست في ذلك الوقت، في وقت قياسي داخل عمالة إقليم تاوريرت، واعتمدتها السلطة بعد ذلك ممثلا وحيدا للتجار رغم أن أعضاء مكتبها لا يمارسون تجارتهم بالسوق، ولا تمثل الجمعية التجار، وهو ما أكده مجموعة منهم لشمس بوست.

 

“الجمعية استُغلت للتوقيع كطرف ممثل للتجار، على بنود رفضها التجار جملة وتفصيلاً، منها موقع تشييد المركب، والمساهمة المفروضة على المتضررين والتي حددت في 10 آلاف درهم”.

 

وبحسب ذات المصدر، فقد انتقل عدد التجار من 1200 إلى 1664، بإضافة حوالي 464 مستفيد لم تكن تربطهم أية علاقة بالسوق  قبل احتراقه وهذا غيض من فيض من الخروقات التي شابت هذا الملف، يضيف ذات المصدر.

 

اتهامات للوبي محلي

 

يوجه التجار وأعضاء من التنسيقية، أصابع الإتهام إلى “لوبي” محلي، ويعتبرونه متورطاً في تأخير تشييد المركب التجاري وتسليم محلاته للتجار.

 

وكان أحد المنتخبين بالمدينة، قد قام بتشييد مركب تجاري يتضمن مئات المحلات، أثناء الفترة التي تلت حريق السوق البلدي، ويقول التجار أنه استغل الظرفية للتسويق لمشروعه، ويتهمونه بالضغط لتأخير تسليم محلات التجار إلى حين تسويق كافة محلات المركب الخاص به.

 

مركب تجاري في ملكية أحد أعيان الإقليم
مركب تجاري في ملكية أحد أعيان الإقليم

 

كناش تحملات.. ومخاوف

 

بعد الإنتخابات الجماعية الأخيرة، والتي أطاحت برئيس المجلس الجماعي السابق، والذي يحسبه التجار على اللوبي سالف الذكر، ينتظر المتضررون تسليمهم مفاتيح المركب التجاري المشيد بعد المصادقة على كناش التحملات الخاص به.

 

وشيّد المركب بكلفة إجمالية فاقت 10 ملايير سنتيم، بمساهمة وزارات السكنى والداخلية، ومجلس جهة الشرق، فضلا عن مساهمة التجار، في موقع غير الذي كان يحتضن السوق المحروق.

 

المركب التجاري المشيّد
المركب التجاري المشيّد

 

وفي الوقت الذي بدأت فيه السلطات المحلية في مباشرة تسليم مفاتيح المحلات للتجار، لا زالت كثير من النقاط تؤرق بال التجار؛ إذ يبدي التجار تخوفهم من تنصيص كناش التحملات على كلمة “استغلال” مما يعني أنهم مجرد مستغلين للمحلات، خاضعين لمزاجية السلطات المحلية، التي قد تنتزعها منهم لاحقاً، وفق عبد الرحيم حنو عضو التنسيقية المحلية.

 

رمضان حرّان، عضو المعارضة بجماعة تاوريرت، يقول إن كناش التحملات تشوب بعض بنوده الكثير من النقص واللبس، وقد أبدينا ملاحظاتنا حوله وتم تجاهلها.

 

ويضيف عضو حزب العدالة والتنمية، أنهم صادقوا عليه رغم ملاحظاتهم، رغبة منهم في تسريع استفادة التجار من محلاتهم بالمركب التجاري، “يكفي عشرة سنوات من تشريد عدد من الأسر بسبب الحريق” يقول المتحدث لشمس بوست.

 

ويطالب التجار بالإنصاف في توزيع المحلات، خاصة وأن المركب يتكون من طابقين، ومن المتوقع أن تشهد المحلات المتواجدة على الواجهة الخارجية، وبالطابق السفلي، إقبالاً أكثر من غيرها، وينشدون إعطاء الأولوية للتجار النشيطين حاليا بالسوق المؤقت.

 

إنتشار "الفراشة" في أحد الشوارع المؤدية للمركب التجاري
إنتشار “الفراشة” في أحد الشوارع المؤدية للمركب التجاري

 

وإثر تشييد مركبين تجاريين آخرين، في مواقع أقرب إلى مركز المدينة من موقع تشييد المركب الخاص بالمتضررين، يبدي هؤلاء تخوفهم من استمرار الركود التجاري الذي عانوا منه خلال العشر سنوات التي تلت الحريق، خاصة وأن المئات من الباعة الجائلين يحتلون الشوارع المؤدية إلى المركب التجاري.

 

اليوم، بعد مرور عقد من الزمن، يذكر التجار مأساتهم دون أن يفقدوا الأمل في إنصافهم وطي ملفهم بشكل نهائي، بصيغة تجبر ضررهم وتنهي معاناتهم اليومية مع لقمة العيش.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)