محمد سعدي يقدم شهادة مؤثرة في الراحلة فاطمة الزهراء عامر

تلقيت بكثير من الحسرة والحزن خبر وفاة #فاطمة_الزهراء_عامر الطالبة الباحثة في الفوج الأول لماستر الديناميات الجديدة لحقوق الإنسان. فاجعة وخسارة كبيرة لكلية الحقوق بوجدة ولماستر الديناميات الجديدة لحقوق الإنسان . فاطمة الزهراء طالبة استثنائية بكل المقاييس ،هي ضمن النخبة بل كانت طالبة درجة أولى أو ممتازة (First Class ) ونادرا ما تجود كليات الحقوق بالمغرب بأمثالها .
في نظرات عينيها نقاء الروح و صفاء النفس وخلوة بالنفس خارج زحمة الحياة وصخب العالم. امتلكت قوة الإرادة والرغبة ،كانت شابة مستقلة معتمدة على نفسها ، فجمعت بين العمل ليلا كممرضة متفانية ومتابعة الدراسة في الماستر نهارا . عُرفت كمدونة نشيطة وكاتبة رأي في موقع شمس بوست ، لها أسلوب خاص رفيع فيه جرأة وذاتية راقية. الشهامة وحب العطاء والتضحية والبذل والتفاني في تقديم الخدمات للآخرين كانت من خصالها. زملائها في الفوج الأول من الماستر يعتبرونها طاقة متجددة يستمدون منها المعنويات والقوى الإيجابية .
عرفتها عن قرب خلال السنوات الثلاث الماضية فكانت ضمن الأوائل في دفعتها وكنت المشرف على بحثها في الماستر ( الذي لم يكتب له أن يرى النور ) ويهم السرديات الذاتية لشباب حراك جرادة من خلال براديغم الصراع من أجل الاعتراف. لديها حس حقوقي وحاسة نضالية فطرية ، حضورها طاغ وهي ترافع بصلابة ولغة واضحة قوية عن قضايا حقوقية ضاغطة، وعن المهمشين والنساء . كانت إحدى الوجوه البارزة الداعمة للحراكات الاجتماعية بالمغرب والمساندة لمعتقلي الاحتجاجات الاجتماعية وعائلاتهم وبالخصوص حراك جرادة وحراك الريف.
لامتلاكها ومقدرتها على الخطابة البليغة والفصيحة والاسترسال في الكلام بلا تلعثم وبدون الرجوع أو النظر في أية ورقة ، اخترتها لتمثيل طلبة الماستر وصعود منصة قاعة الندوات بالكلية خلال اللقاء التواصلي مع الفوج الثاني للماستر في مارس 2021 ، ولم يخب ضني ،كنت فخورا بها ،فقد أبهرت الحضور بكلماتها العفوية القوية المفعمة بالحياة والحس الحقوقي المتطلع للتغيير المنشود .
كانت تحمل قضية وهموما ، مدينة جرادة ببؤسها وسوادها كانت تسكنها وتسكن هواجسها ، وهي من عائلة منجمية ، كتبت عن شباب جرادة، وعن انسداد الأفاق فيها بعد إغلاق المنجم وعن الرغيف الأسود وعن ” السندريات” ، تقول في مقال لها تحت عنوان: ” جرادة.. تحالف الفقر والموت”:
” جرادة.. معراج السماء الذي يرتقي فيه شباب في عز عنفوانهم، بعد أن يقضوا أيامهم القصيرة في باطن الأرض باحثين عما يضمن استمرار حياتهم وذويهم، فيلجون قبورهم عشرات المرات يفاوضونها في رغيف أسود، قبل أن تردم عليهم نهائيا، وتطعمهم خبز الموت”.
أخر نقاش جمعني بها كان في مادة ” التدريب على المرافعة الحقوقية ” كان يهم عنوان مرافعتها مع زملائها في موضوع نساء النينجا بمدينة بركان، واختارت عنوان : ” نساء النينجا: عودة زمن الإقطاع ” ودافعت عنه بقناعة ونجحت في إقناعي به . وهذه فقرات من مذكرتها الترافعية :
” لا يمكن عبور مدينة بركان في الساعات الأولى من الفجر دون الانتباه إلى ذلك المنظر الغريب، الذي يتكرر كل يوم، حركة حشود ضخمة من النساء الملثمات يتجمعن في ساحة “الموقف”. إنهن نساء نسيتهن البرامج الحكومية، وابتلعهن القطاع غير المهيكل، لا يعرفن 8 مارس ولا عيد الأم ، شابات وعجائز لا يسمح لهن شظف العيش بالاحتفال بيومهن العالمي، نساء لا ينتظرن عيد المرأة كي يناضلن ، ولا يعرفن من الأعياد غير عيد الأضحى وعيد الفطر والمولد النبوي.
حوامل قد يأتيهن المخاض في حقول جني الثمار والفواكه، وقد يفارقن الحياة ، نساء يكسبن قوتهن وقوت أبنائهن بعرق الجبين. يشتغلن بلا عقود عمل ولا تأمين صحي ، ويحشرن كالدواب في شاحنات مهترئة . منهن قرويات ضاقت بهن سبل العيش في مسقط رأسهن بالقرى المنسية في جبال الأطلس فغادرن نحو مدينة بركان لعلهن يحصلن على فرصة عمل لائقة في الضيعات تنزعهن من البؤس. نساء نكتب عنهن ولا يستطعن قراءة ما نكتب ، إنهن نساء مغربيات في الضيعات منسيات”.
يقول الشاعر رسول حمزاتوف: “كلنا سنموت، لن نعيش إلى الأبد، وذلك معروف، لكننا نحيى ليبقى بعدنا أثر بيت أو شجرة أو كلمة أو ممر “. رحيل فاطمة لم يكن هباء، بل ترك في قلوب من عرفها أزهارا يانعة و كلمات مضيئة و ممرات تنفذ منها أنوار وأشعة و وآمالا.
ما زلت أراها أمام عيني بقامتها الطويلة ولباسها الأنيق ، رحلت وهي واقفة بشموخ وكبرياء واحترام مثل أشجار أليخاندور كاسونا.
حين يرحل عنا شباب في مقتبل العمر وفي عز عنفوانهم وعطائهم وأبواب المستقبل أمامهم تكون الصدمة مفجعة ويكون الشعور بقسوة الوجع والرحيل قويا .
رحلت فاطمة لكن لم تمت ذكراها،ولم يرحل أثرها الطيب ، فلترقد روحك الطيبة في رحمة وسكينة وسلام.
محمد سعدي، أستاذ حقوق الانسان بجامعة محمد الأول بوجدة 
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)