من مقاعد المعارضة بالمغرب.. كيف سيرى “العدالة والتنمية” التطـبيع؟

الرباط/ الأناضول

– “العدالة والتنمية” برر التطبيع بأن الحزب لا يمكن أن يقف بوجه مصلحة الدولة، فيما انتقده قياديون في الحزب
– قيادي بالحزب: العثماني وقع الاتفاق باسم الدولة وليس الحزب وحذرنا الدولة من مخاطر التطبيع ونحن في الحكومة
– إعلامي: قيادات الحزب لم تعترض على التطبيع إلا في حدود شكلية معينة وسيكتفي بمراجعات تكتيكية
– أكاديمي: الحزب سيلتزم الصمت خلال عامين ويوكل مهمة رفض التطبيع لتنظيمه الدعوي، وحين يحدث تململ يركب موجة الرفض

إثر تراجعه الكبير غير المتوقع في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالمغرب، يعيش حزب “العدالة والتنمية” (إسلامي) تحولات غير مسبوقة منذ تأسيسه عام 1967، بدأت بتقديم الأمانة العامة للحزب، بقيادة سعد الدين العثماني، استقالتها.

واحتل الحزب، قائد الائتلاف الحكومي المنتهية ولايته، المرتبة الثامنة في نتائج انتخابات الثامن من سبتمبر/ أيلول الجاري، بحصوله على 13 مقعدا فقط مقابل 125 في 2016 من أصل 395 مقعدا في مجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).

وأرجع منتقدون هذا التراجع إلى أسباب عديدة، في مقدمتها استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، أواخر العام الماضي، خلال قيادة الحزب للائتلاف الحكومي.

ومع اتجاه الحزب إلى مقاعد المعارضة، بعد عشر سنوات برئاسة الحكومة، واقترابه من اختيار قيادة جديده له، تتصاعد تساؤلات حول كيفية تعامل “العدالة والتنمية” مع قضية التطبيع مع إسرائيل، إذ أثار موقفه منها جدلا واسعا داخل الحزب وخارجه.

** غموض وتبرير

مواقف “العدالة والتنمية” من التطبيع اتسمت بغموض وتبرير وأثارت جدلا، عقب إعلان المغرب في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، استئناف علاقاته الدبلوماسية مع إسرائيل، بوساطة أمريكية.

وجاءت الخطوة بموازاة اعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب على إقليم الصحراء المتنازع عليه مع جبهة “البوليساريو” المدعومة من الجزائر، التي تتسم علاقاتها من الرباط بعقود من التوتر.

هذا الجدل زادت حدته عقب توقيع رئيس الحكومة، أمين عام الحزب آنذاك، سعد الدين العثماني، “إعلان مشترك” بين المغرب وإسرائيل والولايات المتحدة، إيذانا بتبادل البعثات الدبلوماسية بين الرباط وتل أبيب.

وعقب التطبيع، تجنب أول بيان للحزب إعلان موقف واضح من هذه الخطوة، مكتفيا بالتنويه باعتراف واشنطن بسيادة المغرب على إقليم الصحراء، وبموقف الملك محمد السادس، “الثابت في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني”، وبالتأكيد على موقف الحزب الثابت من رفض الاحتلال الصهيوني، وفق البيان.

وهو غموض تبعته تبريرات عديدة أطلقها قياديون في “العدالة والتنمية” اعتبرت أن قرار التطبيع يمثل الدولة وليس الحزب، وأن الأخير لا يمكن أن يقف في وجه مصلحة الدولة.

وقال عبد الإله بنكيران، الأمين العام السابق للحزب رئيس الحكومة الأسبق، عبر “فيسبوك”، إن العدالة والتنمية “لا يمكن أن يخذل بلده بخصوص قراراته الأخيرة حيال الصحراء واستئناف العلاقات مع إسرائيل”.

وأضاف: “من حقنا ألا يعجبنا الأمر، ولكن لا يمكننا أن نقول كلاما يعني خذلان الدولة في لحظة حرجة”.

ومجيبا عن سؤال حول إمكانية زيارته إسرائيل ضمن مهامه الحكومية، قال عزيز رباح، وزير الطاقة والمعادن، القيادي في الحزب، عبر التلفزيون قبل شهور: “أنا أمثل الدولة، وإذا جاءت (الزيارة) سأقوم بالواجب، وأتحمل مسؤوليتي فيها”.

لكن في الوقت نفسه صدرت مواقف أخرى من “العدالة والتنمية” مناهضة للتطبيع، وأبرزها مطالبة نبيل شيخي، رئيس فريق الحزب في مجلس المستشارين (الغرفة الثانية للبرلمان)، بإغلاق مكتب الاتصال الإسرائيلي في الرباط، و”التراجع عن كافة الخطوات التطبيعية مع إسرائيل”.

تبريرات ومواقف “العدالة والتنمية” من التطبيع، وهو على رأس الحكومة، أرجعها مراقبون إلى “إكراه العمل الحكومي”، ومحاولة مراعاة مصالح الدولة.

إلا أن خسارة الحزب صدارة المشهد السياسي، وانتقاله إلى المعارضة، طرحت تساؤلات حول موقفه المستقبلي من التطبيع.

** مخاطر التطبيع

عزيز هناوي، عضو المجلس الوطني لـ”العدالة والتنمية”، قال للأناضول إنه “لا مجال للحديث عن تغير في موقف الحزب تجاه التطبيع، على أساس أنه مبدأ ثابت لم ولن يتغير”.

وأوضح أن “خطاب الحزب الرافض للتطبيع ثابت وعبرت عنه مواقفه وسلوكه وبيانات عديدة صدرت عن أمانته العامة ومجلسه الوطني”.

وأردف أن توقيع العثماني على اتفاق التطبيع “كان باسم الدولة، وليس باسم الحزب الذي طالب بعدها بإغلاق مكتب الاتصال وسحب السفير المغربي من تل أبيب”.

وتابع: “موقف الحزب سيستمر على حاله، فالحزب وهو في الحكومة، حذر الدولة من مخاطر التطبيع على الوحدة الوطنية وعلى النسيج السياسي والاجتماعي، وبالتالي لن يتغير موقفه وهو في المعارضة”.

** مراجعات تكتيكية

فيما ذهب عبد الصمد بنعباد، إعلامي مغربي، إلى أن “القيادة الحالية والمستقبلية للعدالة والتنمية لا مشكلة لديهم مع التطبيع من داخل المؤسسات، وهو ما أكدته قيادات الحزب في أكثر من موقف”.

وأضاف بنعباد للأناضول: “بناء على استقراء مواقف قيادات العدالة والتنمية، سواء قيادات الصف الأول أو الثاني، فإنني لا أتوقع انقلابا في مواقف الحزب من التطبيع”.

وأردف أن هذه القيادات “لم تنتفض سابقا ضد التطبيع ولم تعترض عليه إلا في حدود شكلية معينة، ويبدو أن الحزب دخل في التطبيع وصار يبرر له بأنه جزء من عمله داخل الدولة”.

ورجح أن الحزب سيكتفي مستقبلا لـ”بعض المراجعات تجاه التطبيع على المستوى التكتيكي حتى لا يستمر في فقدان هويته وفقدان حاضنته الاجتماعية والشعبية”.

** صمت لسنتين

ووفق عبد الرحيم علام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاضي عياض (حكومية)، فإن “العدالة والتنمية” سيفضل، خلال السنتين القادمتين، الصمت على الحديث في بعض القضايا، وبينها التطبيع.

وأرجع “علام”، في حديث للأناضول، ذلك إلى “الضربة التي تعرض لها الحزب في الانتخابات الأخيرة، والتي ستجعله ينشغل أكثر بتنظيم بنائه الداخلي والعودة إلى التنشئة السياسية وتربية أعضائه”.

وتابع: “الحزب لا يمكنه بين عشية وضحاها أن ينتقل من موقف إلى موقف آخر، بل سينتظر حتى يحدث نوع من التململ كي يركب موجه الرفض مرة أخرى”.

وختم بأن الحزب سيوكل، خلال السنتين القادمتين، مهمة رفض التطبيع إلى تنظيمه الدعوي (حركة التوحيد والإصلاح) التي ترفضه منذ البداية.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)