البيجيدي، الأحرار  والبام..من يتصدر الانتخابات المقبلة بوجدة؟

قبل أيام نشرنا مادة استشرافية، استنادا إلى “الإسقاطات” الممكنة، على المرحلة المقبلة، تبعا للنتائج المحصل عليها في الانتخابات السابقة، واستحضارا للتغيرات الحاصلة في تموقع عديد من الرموز الإنتخابية، وتحولات المنظومة الانتخابية، خلصت إلى أن الصراع سيحتدم برلمانيا في دائرة وجدة أنجاد على المقعد الرابع، في ظل ظهور لوائح تسعى لاستثمار، إما الرصيد الانتخابي التراكمي، أو الرصيد “القبلي” كما هو الحال بالنسبة لمرشح الاتحاد الاشتراكي.

 

في هذه المادة، نحاول طرح سؤال بالغ الأهمية، وبلا شك يطرحه العديد من المتابعين بالخصوص الحزبيين منهم، لكن لا أحد من هؤلاء يجرؤ اليوم على طرحه بصوت مرتفع، خشية أن يصاب بخيبة أمل! وهو كالتالي: من يتصدر الانتخابات المقبلة؟

 

عمليا المقياس الذي يمكن الرجوع إليه، كما هو الشأن حتى للدراسات الأكاديمية، لاستشراف الترتيب الممكن، أو على الأقل استشراف متصدر النتائج، بعد وضعها في السياق الحالي والتحولات الجارية، هو نتائج الإنتخابات الماضية.

 

من الواضح أن ما أفرزته الانتخابات، سواء الجماعية، أو البرلمانية من نتئاج على الأقل من حيث عدد الأصوات المدلى بها، وبالخصوص في إتجاه معين، هو أقصى ما يمكن الحصول عليه، وهو بذلك أعلى سقف توقعات ممكن، بالنظر إلى الحشد الذي كان على جميع المستويات بالطرق التي تابعها الجميع، بل جاز للعدد من المتابعين القول بأن تلك الحركية الانتخابية بغض النظر في أي إتجاه صبت لم تكن مسبوقة!

 

البام..الحزب الذي يفقد كل شيء!

 

عمليا وإنطلاقا مما سبق، حزب الأصالة والمعاصرة، لا يمكنه أن يحصل على العدد ذاته، أو بتعبير أخر، لا يمكن توقع أن تتوفر نفس شروط الحشد السابقة، بالنظر للتغيرات الحاصلة، والتي حولته إلى حزب عاد، يحاول هو الأخر أن يجد موطئ قدم في المشهد المقبل، وهو ما أكدته تصريحات أمينه العام أخيرا.

 

هذا على المستوى العام، على المستوى الخاص، الحزب الذي حصل في دائرة وجدة أنجاد، في الانتخابات البرلمانية لسنة 2016 على 30448 صوتا، وفي الجماعية، بجماعة وجدة لسنة 2015 على 23398 صوتا، يصعب عليه، إن لم يكن من المستحيل، أن يحقق نفس النتائج التي بوأته الرتبة الأولى وذلك للأسباب التالية:

 

1ـ  وضع الإسناد والسند انتفى، بل من سخرية القدر، لم يمهل حزب الجرار الكثير من الوقت ليتحول من خطاب الاستقواء إلى خطاب المظلومية في محاولة الحفاظ على بعض المواقع الانتخابية وضمنها موقع وجدة طبعا!

 

2ـ الهزة التي هزت الحزب محليا وجهويا، وحولته إلى غرفة بدون روح إنتخابية، والمتمثلة في مغادرة العديد من الأعضاء من “محترفي” الانتخابات الذين كان يعول عليهم لخلق الفارق في الأحياء الإستراتيجية في وجدة بالخصوص، خاصة تلك الأسماء التي لها حضور في النواة الصلبة للأحياء.

 

3ـ توقف الآلة “الخيرية” عن مزاولة مهامها، رغم أن الألة في صيغتها الكلاسيكية مستمرة، ويتحدث الناس عن الاستعداد لتوزيع القفف من جديد، ولكن بعيدا عن الجمعية، غير أن هذه الألة الكلاسيكية تواجه هي الأخرى منافسة في عقر دار مهندسها بـ”فيلاج” الطوبة أيضا!

 

4ـ هناك حقيقة يدركها الجميع، أن بعض رموز الحزب في المدينة والشرق، تحولت من المثالية التي تشكلت في لحظة من الانتشاء الانتخابي وحتى “الخداع الانتخابي”، إلى صورة الشخصية المخادعة التي لا يمكن الثقة فيها، فإذا كان البام يعاني من أزمة ثقة على المستوى المحلي خاصة وسط وقوده الانتخابي وهو ما بدا بعد الإعلان مباشرة عن نتائج الانتخابات والوقفة الشهيرة، فإن هذه الشخصيات اليوم عمقت هذه الأزمة، واستهلكت ما توفر من رصيد إيجابي، في وقت قياسي، وتحول إلى حزب “خردة” بتكريس الصورة نفسها!

 

5ـ لا يمكن أن نفهم تراجع البام بمعزل عن سقوط سطوة بعض رموزه في الجهة والمدينة.. قبل سنتين أو ثلاثة، كان ما يعرف لدى محترفي الانتخابات بـ”البيليات”/الأعمدة، يستمدون وثوقيتهم الانتخابية من قوة بعض الرموز، وهي ثقة تتجاوز ما يتعلق بالتنظيم، لأن ما يتعلق بالتنظيم الحزبي لا يحظى عند هذه الفئة بأية أهمية بالنظر لطريقة عملها، وإنما كانت مستمدة من القدرة على تفعيل شبكة النفوذ، لكن بعد إدانة بعض رموز الحزب بالسجن بسبب جرائم مالية تكسر قدر الثقة ذلك، وأول سؤال طرحه هؤلاء: هل حتى فلان يمكن أن يدان بالسجن؟!

 

هذه الأسباب وغيرها، تجعل من الحزب الأغلبي في المدينة خلال الانتخابات الماضية، من الصعب جدا أن يرسم لنفسه نفس المسار، وبالتالي نفس الترتيب!

 

العدالة والتنمية..هل تقود قوة “البلدوزر” الحزب لتبوء المرتبة الأولى في الانتخابات المقبلة بوجدة؟ 

 

منذ أشهر قليلة انخرط حزب العدالة والتنمية، في عملية هيكلة شاملة على المستوى الإقليمي، بعد أكثر من سنة من الجمود الناجم عن حل الأمانة العامة للمصباح للحزب في عمالة وجدة أنجاد، للأسباب المعروفة لدى الجميع، والتي كان أخرها تحالف جزء من أعضاء الحزب في مجلس مدينة وجدة والمشكلين للكتابة الإقليمية، مع جزء من حزب البام بنفس المجلس، لعقد دورة اللجان التي انتهت بالطريقة التي يعرف الجميع، وأسدل القضاء ستاره على فصولها بأن أبطل ما جرى فيها.

 

وفي الحقيقة فإن الزخم التنظيمي الجديد الذي بثته الكتابة الاقليمية الجديدة في شريان الحزب، يبرز وجود فريق متماسك، ليطوي بشكل عملي المرحلة الماضية، التي إختارت هذه الكتابة وضعها وما ينجم عن إفرازاتها الجانبية في حكم العدم.

 

إن الانسجام بالنسبة لهذا الحزب كان خطوة ضرورية، والاختلال الحاصل في السابق كان سببا في حرمانه من المرتبة الأولى أو على الأقل شكل ذريعة لذلك، ذلك أن غيابه وبروز منطق “الكولسة”، أفرز لوائح وبالخصوص على المستوى المحلي ممركزة في المدينة، وهو ما لم يعد ممكنا اليوم في ظل بحثه على التموقع في المرتبة التي يراها تليق به، وهي الرتبة الأولى، وهو ما عبر عنه مباشرة عند انتخابه كاتبا إقليميا مصطفى خثيري، الذي يلقب أيضا بـ البلدوزر بالنظر لقدرته الهائلة على التحرك الميداني!

 

والحقيقة، أن الحزب كان واعيا بشكل كبير بكل التطورات الحاصلة، والتي وجد فيها فرصة سانحة لتحقيق المكانة الموضوعية، وخاصة ما يتعلق بالانقسام الحاد الذي يعاني منه منافسه الأبرز حزب الأصالة والمعاصرة، ليضع على رأسه خثيري، لإدراكه أن الانتخابات المقبلة هي فرصة لتأكيد الحضور التنظيمي للحزب، وهذه القناعة يتقاسمها بشكل موضوعي المنتخبون الذين يتابعون بشكل دقيق تطور الوضعية السياسية المحلية.

 

الدينامية الجديدة الحاصلة في الهيكلة الاقليمية للحزب، بدأت بسط استراتيجيتها بوضع تقسيم رباعي للمدينة، واسترجاع طبقة واسعة من المنتخبين والأعضاء في الجماعات القروية وهو ما يمكن من القول أن الحزب يستعد للانتخابات عبر:

 

1ـ التعاطي مع وجدة، في ظل مستجدات مدونة الانتخابات على أساس أنها مقسمة لدوائر فردية، وهو ما يعني أن المراتب 30 الأولى في لائحته للجماعة، تستحضر القوة التنظيمية للمرشحين في الأحياء، وبالخصوص الأحياء التي تعتبر معاقل للحزب، مع تقديم الطاقات الشابة.

 

2ـ من خلال دراسة نتائج الانتخابات الماضية، يتضح بأن الحزب لم يغطي جميع الدوائر التابعة للعمالة، بالرغم من أن العمالة لا يمكن إدراجها في نطاق الدوائر الانتخابية التي يصعب تغطيتها، بالرغم من الإشكالات المطروحة في بعض الأحيان والمرتبطة بالطابع القبلي للترشيح وبالتالي التصويت، غير أن فحص هذه النتائج بعناية ودقة يبرز أن الحزب كان مقصرا بشكل فادح في الكثير من الحالات، وهو ما فوت عليه ليس الأصوات، باعتبار أصوات هذه الدوائر لا تشكل ولا تصنع فارقا كبيرا، ولكن الأهم من ذلك الحضور وإثبات القوة التنظيمية، وحتى فرصة المراقبة!

 

3ـ يدرك الجميع أن حزب العدالة والتنمية، هو حزب من بين أحزاب قليلة (فدرالية اليسار)، الذي يقبل عليه أغلب من يصوت له دون اعتبار المرشحين، وهناك العديد من التجارب التي أثبتت ذلك، حتى في مدن كانت بعض الأسماء تساوت شهرتها بشهرة الحزب، كما هو الحال في تطوان وفاس، لكن في النهاية الغلبة كانت للمنطق الحزبي، وهذا في الحقيقة بالنسبة لعموم مناضلي العدالة والتنمية أمر محسوم ولا يقبل النقاش.

 

4ـ حتى على مستوى حركة التوحيد والإصلاح التي تحاول منذ سنوات وضع التمايز مع الحزب، وجهت قيادتها بالتفاعل الإيجابي في اتجاه دعم الحزب في الانتخابات، وإن كانت المنطلقات التي تحكم هكذا توجيه أخلاقية وترتب إلتزاما أخلاقيا بالدرجة الأولى، فإن التجربة أثبتت أنه يمكن أن تكون هناك أصوات “تصنع الخيانات”، حتى وهي في صفوف الحزب، وبالتالي فإن إخوان خثيري يهمهم حجية الالتزام الأخلاقي الذي قد يرتب مواقف محددة، على الدعم نفسه، لأن سيرورة العمل التنظيمي الخالص هو الذي سيبوء الحزب المرتبة التي يتوخاها.

 

الأحرار..المنافس الوحيد

 

هناك حقيقة يدركها الجميع في وجدة، أن قوة الأحرار اليوم مستمدة من المغادرين لحزب الأصالة والمعاصرة بالخصوص، ذلك أن الأحرار قبل الالتحاقات الجديدة، لم يكن يساوي في سوق الانتخابات سوى بضعة ألاف من الأصوات، ففي الانتخابات الجماعية الماضية حل بقيادة لخضر حدوش رابعا بـ3499 صوتا، وحل في الانتخابات البرلمانية لسنة 2016 حل سادسا بـ1347 صوتا، وبالتالي افتراض موقع الحزب في الانتخابات المقبلة بالضرورة يتطلب تقييم وزن الملتحقين به.

 

لعل أبرزهم هشام الصغير، وكيل لائحة حزب الجرار في الانتخابات الجماعية، والذي يمكن القول بشأنه حسب العديد من أعضاء الحزب حتى المحسوبين في الطرف النقيض من مجموعته التي غادرت البام، أنه الشخص الذي يرجع له الفضل في تنمية الأصوات الحقيقية التي حصل عليها الجرار في وجدة وفي الجماعات القروية!

 

وهذا الدور تأتى يتآزر مع العديد من الوجوه الأخرى، أبرزها عبد القادر الحظوري، الذي شكل الفارق بالنسبة للحزب على مستوى الجماعات القروية بسبب الأصوات التي تمكن من الحصول عليها.

 

هذا الرصيد، سيعمل الوافدون على البام على إستثماره في الموقع الجديد، وسيكون معززا بخبرة انتخابية لعناصر أخرى غير ظاهرة في الصورة كما هو الحال بالنسبة للحضوري والصغير!

قد تبدو طريقة عمل الأحرار حاليا شبيهة بعمل البام بالأمس، وهذا قد يبدو طبيعيا بالنظر إلى طبيعة الملتحقين، لكن حسب العديد من أعضاء الحمامة هناك رغبة في خلق تمايز واضح في الانتخابات المقبلة، وبالخصوص في لائحة الجماعات.

 

إذا كان الحزب يعتقد بقوة مرشحيه، ضامن لمقعده البرلماني الذي سيتقدم له محمد هوار، والذي بدوره سيراهن على إستثمار شبكته المهنية، فإن اللائحة المحلية يسعى الحزب جعلها مغايرة لما تم تقديمه في السابق، وهو أمر طبيعي ومنطقي بالنظر إلى أن الممارسة دلت على السقطات التي يمكن تفاديها، وهناك اليوم رغبة حثيثة في تقديم وجوه شابة وذات كفائة، وهو المنطق نفسه تقريبا الذي يحاول البيجيدي اعماله وتجسيده في اللائحة المحلية المقبلة.

وعلى عكس البام الذي تخلى عن الجناح الخيري، على الأقل في شكله المنظم، فإن الأحرار اليوم وعبر جمعيتين الأولى يقودها محمد هوار مرشح البرلمان والثانية عبد القادر الحضوري يحاول مأسسة هذا الحضور بشكل مؤسساتي أكثر يعطي إنطباع بأن هذا الحضور لم يكن ولن يكون ظرفيا نابعا من إقتراب موعد الانتخابات.

 

في المحصلة، يمكن حصر التنافس على المركز الأول في الانتخابات البرلمانية والجماعية في دائرة وجدة بين الأحرار، والعدالة والتنمية، فإذا كان الأول يدرك أن رهانه قوي في البرلمانية على أصوات المدينة، يدرك أيضا أنه بحكم موقع الوافدين عليه لن يحسم بهذه الأصوات موقعه في هذه الانتخابات، على إعتبار أنه سيجني من نفس الحقل الذي يجني منه البام، لذلك سيكون الرهان بالنسبة إليه على العالم القروي بشكل أقوى، باستثمار شبكات العلاقات التي توطدت بحكم موقع الصغير في المجلس الإقليمي، فإن الثاني (العدالة والتنمية) سيعمل بمنطق عسكي ويحاول حسم كل شيء في المدينة، معتمدا على الطريقة الجديدة في توزيع الترشيحات في الأحياء.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)