حكم “الفار” بين وحيد ورونار

محمد بوهريد

بسرعة غير متوقعة، صارت فئة من الجماهير تحنّ إلى عهد رونار مع المنتخب المغربي، وصار كثيرون يقارنون بضع مئات من الدقائق مع وحيد بسنوات مع رونار.

هل هذا طبيعي؟ نعم. أولاً، لأن وحيد خلف رونار، ومن البديهي أن تجري مقارنتهما معاً، وثانياً لأن تألق المنتخب مع رونار أفضل ما شاهده كثير من المغاربة الذين لم يدركوا إنجازات بادو الزاكي في 2004، وإبداعات مصطفى حجي وصلاح الدين بصير والنيبت وزملائهم بقيادة الفرنسي الراحل هنري ميشال في مونديال فرنسا 1998.

ليس معقولاً إنكار ما حققه رونار مع “أسود الأطلس”. فقد أعادهم إلى السكة الصحيحة من حيث الأداء والروح القتالية، وقادهم إلى المونديال بعد غياب استمر 20 عاماً. غير أن ثلاث مباريات قضت على مسيرة الثعلب الفرنسي مع الأسود: مصر في كأس إفريقيا، ثم إيران في روسيا، وأخيراً البنين التي لا تُنسى ولن تنسى.

في رأيي المتواضع، أنه كان من الأفضل امتصاص الغضب الجماهيري بعد مباراة البنين، وإرساء تعاقد جديد مع رونار بدل الاستغناء عنه، لكن لم يكن هذا ممكناً، لأنه ذهب إلى مصر بقرار مسبق، ويبدو باتفاق ضمني مع الجامعة، بأن تكون تلك مغامرته الأخيرة مع المنتخب المغربي. هل كان يريد نهاية أفضل من البنين؟ نعم، كانت تلك أمنيته الأخيرة مع المغرب بكل تأكيد. ومن ذا الذي لا يحب النهاية السعيدة؟

ومع ذلك، لا ينسى عامل مهم في نجاح رونار. فقد وجد عند وصوله إلى المغرب منتخباً جاهزاً لا ينقصه سوى أن تنفخ فيه الروح. وهذا أكثر ما يتقنه وأثبت فيه نجاحاً مبهراً، وخصوصاً مع منتخب زامبيا الذي تحوّل إلى منتخب منزوع “الشان والمرشان” منذ اعتزال جيل كالوشا بواليا. وقد واصل النجاح في هذه النقطة تحديداً مع المغرب نجاحاً مبهراً، ويعيد القصة نفسها حالياً مع منتخب السعودية.

كان من الأفضل امتصاص الغضب الجماهيري بعد مباراة البنين، وإرساء تعاقد جديد مع رونار بدل الاستغناء عنه، لكن لم يكن هذا ممكنا لأنه ذهب إلى مصر بقرار مسبق

ليس دفاعاً عن وحيد. لكن يجب استحضار جواب هذا السؤال الوجيه: ماذا وجد وحيد عند وصوله إلى المغرب؟ لقد وجد لاعبين من طراز رفيع يبدعون مع أنديتهم، لكن المنتخب كان “أسد أطلس” جريحاً يندب حظه مع البنين ويشتكي فقدان ركائز أساسية اعتزلت بعد “كان مصر” مع نقائص في مراكز أساسية.

لا مجال إذاً للمقارنة بين البداية بفريق شبه مكتمل الأركان، وإن كان بلا روح، وتسلّم فريق “عزيز قوم أذلّه إقصاء مرير” ويحتاج إلى إعادة بناء. بتعبير آخر، يستحق المدرب الجديد وقتاً أطول لمواصلة مشروعه تحت رقابة الجامعة، بدل أن تزرع ألغام الشكوك في طريقه، وخصوصاً أن تصفيات كأس العالم ليست بعيدة.

من غير المنطقي كذلك مقارنة نهجين مختلفين تماماً. رونار يستنهض همم اللاعبين ويحشدهم نفسياً ليكونوا محاربين على الملعب، ومن يستجب منهم ينل ثقته، ونادراً ما يستغني عنه، وإن واجه مشاكل مع ناديه وفقد التنافسية.

في المقابل، ينتهج وحيد أسلوباً كلاسيكياً يقوم على اللاعب الجاهز. العامل النفسي في معسكراته لا يبدو مركزياً، لكن قد يجد هذا الأمر تفسيره في عدم حاجة اللاعب الجاهز إلى جهد كبير لتأهيله نفسياً ومعنوياً.

خلاصة القول، أنّ رونار فترة انتهت بما لها من إنجازات تنغصها الكبوات الثلاث سالفة الذكر. هل يمكن أن يعود يوماً ما؟ هذا سيناريو لا يمكن استبعاده، فقد وُدِّع بكثير من الحفاوة، ما يبقي خط الرجعة قائماً، لكن هذا السيناريو غير قابل للتحقق على المدى القريب.

كذلك من الإجحاف الجزم بإخفاق المدرب الحالي بهذه السرعة. الواقع أنه نجح بامتياز في لعبة الأرقام، رغم فشله حتى الآن في بلورة شخصية واضحة للمنتخب أداءً وانسجاماً وروحاً قتالية. تأهل إلى كأس أفريقيا دون عناء قبل مباراتي موريتانيا وبوروندي، معفياً المغاربة هذه المرة من “لعبة الخشيبات” لحساب حظوظهم في التأهل إلى الـ”كان”.

ورغم كل ما سبق من دفوعات شكلية عن وحيد، سيكون من غير المقبول عدم إصدار حكم نهائي في حقه إن أخفق في تسجيل بداية جيدة في تصفيات كأس العالم، أو جاءت المشاركة في “كان الكاميرون” مخيبة، وهو ما لا يتمناه أي مغربي. الأمل كبير في إحراز لقب إفريقي ثانٍ على خطى منتخب المحليين.

 

عن العربي الجديد

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)