استراتيجية الغفلة

يبدو أن الواقع أراد كشف أحقية الحكومة بالإشادات التي نالتها بالجملة إبان إقرارها للإجراءات الاحترازية فور تسجيل الإصابات الأولى بفيروس كورونا ببلادنا، ولعل هذا يتفق تماما مع ما خبرناه عن أحوال هذا البلد، ذلك أن هذه الأزمة لم تكشف أمرا جديدا، ولا عرت حقيقة مستترة، بل أكدت فقط واقعا نعرفه ونعيشه طوال عقود، واقع تحركه سياسة إدارة الظهر للمواطن ومشاغله وأزماته، واقع يجعله لقمة سائغة للفقر والاستغلال والمرض. لقد كدنا جميعا ننخدع بحكاية التدبير الجيد والسياسة المسؤولة في بداية الأزمة، واعتقدنا بما نحمله من أمل في التغيير أن هذه الشدّة لن تمضي حتى تغير معها الحال إلى أفضل، وبلغت الحماسة ببعضنا أنه بدأ ينظر لمغرب ما بعد كورونا.
ثم ظهرت الثغرة التي ستهدم لاحقا حائط الخدعة مع قرار التخفيف الأول للحجر الصحي، وتعامل الحكومة مع البؤر المهنية حيث بدت أضعف من أن تتمكن من فرض وإلزام المنشئات الاقتصادية بإجراءات الوقاية، ولم تجد بدا من الانحناء للباطرونا حتى والداء يستفحل داخل وحداتها الإنتاجية وينتشر بين الآمنين في منازلهم، ومع توالي الأسابيع، وفي ظل أرقام مرتفعة لم تسجل حتى في الأيام التي اعتبرت فترة ذروة انتشار الفيروس، تتالت قرارات ’’الغفلة‘‘ المتسمة بالتخبط والارتجالية والعبث بمصالح الناس والتزاماتهم.
وآخرها ما صدر عن وزارتي الصحة والداخلية مطلع هذا الأسبوع بإغلاق ثماني مدن، منها خمس كبرى تعرف حركات تنقل كبيرة خاصة في هذه الفترة التي تجمع موسم الصيف وعيد الأضحى، قرار الإغلاق الذي عُمم قبل خمس ساعات فقط على بدأ سريانه تسبب في ازدحام غير مسبوق على الطرق بسبب تسابق السيارات والحافلات لدخول وجهاتها قبل الوقت المقرر للإغلاق ما نتج عنه حوادث واكتظاظ على منافذ الأداء وسخط عارم، هذا القرار الذي جاء في معرض توضيح الداعي إليه الإلقاء باللائمة على المواطن ’’نظرا لعدم احترام أغلبية المواطنين للتدابير الوقائية المتخذة، كالتباعد الاجتماعي، ووضع الكمامة واستعمال وسائل التعقيم‘‘ كما ذكر نص البلاغ مع توعد المخالفين بالإجراءات الزجرية الصارمة، فيما يشبه تبريرا لقرار عقاب جماعي.
منذ انطلاق المرحلة الأولى لبداية رفع الحجر الصحي، يصاحب قرارات الحكومة تخبط واضح يجعلنا نتساءل عن المؤشرات والمعطيات التي تستند إليها، خاصة أنها تسبح في واد بعيد كليا عن الوقائع، ما يفتح التساؤل عن دور المستفيدين من هذه القرارات في تحريك دواليب الإقرار والإلغاء الرسمية، وما يذكي هذا التصدع الحاصل اليوم بين المواطنين والجانب الرسمي هو غياب التواصل الدوري الصريح بشأن تداعيات وتطورات هذه الأزمة، ذلك أن الحكومة تكتفي بإلقاء هذه القرارات في ساعات متأخرة من الليل دون أن تتكلف عناء الدفع بأحد ممثليها للتواصل مع المواطنين والصحفيين لشرح الإجراءات ودواعيها وطمأنة الناس لضمان حسن امتثالهم، بعيدا عن فقرة التهديد بالإجراءات الصارمة في نهاية كل قرار.
في هذه المرحلة وبعد أكثر من أربعة أشهر على بدأ معركتنا ضد هذا الفيروس يتبين للأسف أننا لا نمتلك أي استراتيجية لمواجهته، وفي عز صعود مؤشرات الإصابات والوفيات لأرقام لم نشهدها سابقا، ووسط شكاوى من بداية تعب المنظومات الصحية في المدن التي تعرف معدلات انتشار واسعة، ومع الوضعية المتأزمة للكثير من الأسر، يبدو أن القادم من أيام المواجهة مع الفيروس وقرارات الحكومة سيكون أصعب.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)