رغم أن الحكومات المتعاقبة تبنت سياسات و استراتيجيات مختلفة و متباينة لاصلاح الادارة العمومية منذ عشرات السنين، فأن هذه الأخيرة لم ترق بعد إلى المستوي المنشود لتحقيق انتظارات و تطلعات المواطنات و المواطنين و المساهمة في التنمية الشمولية للبلاد، كما تؤكد ذلك الانتقادات الملكية الموجهة إلى الإدارة العمومية في العديد من الخطب والمناسبات ، و كما ترصده أيضا التقارير السنوية و الموضوعاتية للمجلس الأعلى للحسابات .
و في نفس السياق يكاد يجمع الباحثون المتخصصون في العلوم الإدارية و المتتبعون للشأن الاداري و حتى المرتفقون على تدني و تراجع الأداء الاداري وفشل الإدارة في اداء جزء كبير من المهام المنوطة بها. بل أصبح البعض يتحدث عن ” زمن الرداءة” داخل الإدارات و المؤسسات العمومية.
ومن أهم أسباب هذه الوضعية المتأزمة التي تمر منها الإدارة العمومية في الفترة الراهنة ضعف التأطير رغم أنها تضم حاليا إعداد كبيرة من الأطر الإدارية و التقنية .
لهذا فان تدبير الموارد البشرية خاصة التعيين في مناصب المسؤولية يشكل أهم دعامة في برامج وخطط الحكومة لاصلاح الإدارة العمومية و تحريك الجمود الذي تعيشه مختلف مرافقها.
و دون أدنى شك يشكل هذا الجانب احد أهم المداخل الضرورية للاصلاح الشمولي، لأن اختيار الأطر الكفأة القادرة على تحمل المسؤولية التدبيرية للمرافق العمومية و المساهمة الفعلية في تجويد و تحسين الأداء الاداري سيساهم لا محال في تحقيق الأهداف التنموية المسطرة و مواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية.
و بما ان الارتقاء بمستوى أداء الإدارات العمومية و الترابية يمر بالضرورة عبر تطوير المهنية، و مستوى و فعالية التأطير فان تعيين الانسان المناسب في المنصب المناسب يحتم على الإدارة اعتماد تدابير الحكامة الجيّدة و التركيز على مبادئ تكافؤ الفرص والاستحقاق والشفافية والمساواة والنزاهة في تطبيق مقتضيات النصوص القانونية و المساطر المتعلقة بالتعيين في المناصب العليا ومناصب المسؤولية التي أصدرتها الحكومة في إطار تنزيل مقتضيات دستور المملكة لسنة 2011، لا سيما القانون التنظيمي رقم 02.12 المتعلق بالتعيين في المناصب العليا و المرسوم رقم 2.12.412 بتاريخ 11 اكتوبر 2012 المنظم لمسطرة التعيين في المناصب العليا، و المرسوم رقم 2.11.681 المتعلق بكيفيات تعيين رؤساء الأقسام والمصالح بالإدارات العمومية.
و بما اننا نعيش مرحلة مفصلية تكتسي طابعا خاصا من جراء انعكاسات وباء الفيروس التاجي الذي ابان عن هشاشة العديد من الإدارات العمومية و مرافقها و ضعف اداءها الذي انعكس سلبا على مختلف مناحي الحياة اليومية للمواطنين .
و نظرا لأهمية دور الإدارة في مواكبة التحولات و التطورات المجتمعية و توفير الخدمات المستحدثة و الضرورية في صيغ جديدة تعتمد على الرقمنة و اليات التواصل الحديثة فإنه من الأكيد ان المرحلة و ما بعد ها تتطلب من بين ما تتطلبه من شروط و تدابير ضخ دماء جديدة في مختلف دواليب الإدارة من خلال تعيين نخبا جديدة من الكفاءات في مختلف المناصب والمسؤوليات الإدارية على أساس الاستحقاق و الجدارة أخذا بعين الاعتبار التكوين الأكاديمي و الخبرة المهنية ، و ذلك بهدف تمكين و دعم الإدارات العمومية و الجماعات الترابية باطر بأمكانها الرقي بالأداء الاداري و مواكبة المشاريع و البرامج و الخطط التنموية في أفق تحقيق تنمية مجالية تشاركية و مستدامة.
محمود الهدراشي
تعليقات ( 0 )