الشرق القصِي

حالة عامة من الشكوى، ركود اقتصادي وبؤس مستفحل ومرضى يودعون، ولا ندري هل يحدث هذا بمعدلات طبيعية كباقي الأعوام المنصرمة، أو أن الأمر بلغ درجة الأزمة الخانقة، والتي يمكن أن ترى تداعياتها أينما اتجهت.
هذا الشرق كما يصفه أهله قبل ضيوفه ميت.. ميت سلفا، ولا مهتم ببذل الجهد لإنعاشه، لا شيء سوى ضخ المزيد من البؤس المؤذِن بشقاء أكبر، وليس لأهله خاصة منهم شبابهم إلا الاختيار بين أسوء المصائر.
أزمة ظهور وباء كورونا في المغرب وما تلاها من إجراءات احترازية لوقف انتشار العدوى والسيطرة على المرض، خاصة ما تعلق بالحجر الصحي وتوقف الأنشطة الاقتصادية الرئيسية منها وتلك المؤقتة، كشفت عن عمق تردي الواقع واستفحال الأزمة، من جهة أخرى ولأن مقدرات الجهة تتوزع أساسا بين الفلاحة والرعي وبسبب موسم الجفاف، فمازال القادم يعد بالأسوأ.
الجهة الشرقية التي تشكل ما يعادل 12.60 في المائة من مساحة تراب الوطن، وتضم كل من عمالة وجدة أنجاد وأقاليم الناظور والدريوش وبركان وتاوريرت وجرادة وفكيك وكرسيف، إضافة لأزيد من 124 جماعة ترابية، يأهلها حوالي مليونين ونصف نسمة، اعتقد أهلها لفترة أن عقدتها قد حلت، وأنها في طريقها لتصير قطبا جاذبا بعد ما اعتبر التفاتة ملكية نحوها ابتداء من سنة 2003 توالت بعدها الزيارات الرسمية والخطب والمخططات، لكن واقع الحال بعد سنوات من هذه الثورة المزعومة يظهر جليا أن لا شيء من وعود النهضة تحققت بالشرق المنسي، بل إن حاله انتقل للأسوأ بسبب خنق المنفذ الوحيد الذي كان ينفس احتقان المنطقة بعد اغلاق الحدود الشرقية مع الجارة الجزائر، وكذا اغلاق الحدود شمالا مع مدينة مليلية المحتلة وإحكام الإجهاز على عمليات التهريب المعيشي التي كان يحترفها عدد كبير من عاطلي المنطقة، بالتالي إعادتهم إلى مربع البطالة دون توفير بديل اقتصادي لهم.
غياب الاستثمار العمومي يزيد الواقع تأزما، وغياب سياسية واضحة لتشجيع المستثمرين الخواص ومواكبتهم، وغياب بنى تحتية وظروف جالبة للاستثمار، كلها عوامل جعلت الشرق خارج دائرة اهتمام أصحاب رؤوس الأموال، ولا تكاد المنطقة تستفيد -اللهم في بعض الاستثناءات- حتى من عائدات جاليتها بالخارج، هذا باستحضار أن 30 في المائة من مغاربة العالم ينحدرون من جهة الشرق.
هذا الواقع تزكيه أرقام المندوبية السامية للتخطيط، التي ذكرت أن أعلى مستويات البطالة سجلت بالجهة الشرقية وبلغت 18,8 في المائة، مقارنة بالمعدل الوطني الذي انتقل ما بين الفصل الأول من سنة 2019 والفصل نفسه من سنة 2020، من 9,1 في المائة إلى 10,5 في المائة. ونفس الأمر سجل في نسب الفقر التي بلغت 10,1 في المائة في الجهة، مقابل 9,5 في المائة على الصعيد الوطني.
ويبدو أن الأرقام التي تخرج بها المندوبية السامية للتخطيط، والتقارير الرسمية عن تردي الأوضاع، واحتجاجات الساكنة هنا وهناك، لا تجد صدى كافيا، وما تزال قاصرة عن دفع المعنيين للتفكير جديا في حلول حقيقية هذه الأزمة، أو للتخفيف منها على الأقل، ما يعنى أن هذه المنطقة ستواصل دفع ثمن موقعها الجغرافي الذي تسبب لها بالعزلة والاغلاق بدعوى حضور الهاجس الأمني في السياسات الرسمية، وأن هذا الشرق سيبقى قصيا عن خطط التنمية والدعم، فلا هو طاعم من جوع ولا هو آمن من خوف.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)