الأوصياء الجدد

بقلم فاطمة الزهراء عامر

        من المثير للسخرية أن النساء تشاركن الرجال العيش على هذا الكوكب منذ بدء الخليقة، ولا يزال بعض الرجال يتجادلون في الدور الذي يمكنهن أن تلعبنه، وفي الفضاء المسموح لهن أن تلجنه، مانحين أنفسهم حق التقرير في حاضرها ومصيرها بشكل فج ووقح. هذا الإصرار على طرح هذه التساؤلات ولوك ولفظ تلك الأطاريح الجاهزة حول الأدوار والمؤهلات يجعلنا نعتقد أن مشاركة النساء للرجال أمر مستحدث وطارئ.

عقدة الوصاية والاعتقاد بالمعرفة التامة بمكامن المصلحة ومنافذ الخير، بالإضافة إلى قدر عظيم من الأنانية والزهو بالنفس، وربما أيضا الخوف من المنافسة أو المقارنة، خاصة من لدن فقراء الطموح ومتواضعي المواهب، ما زال يدفع الكثيرين لصعود منصة تقرير مصير المرأة وتبيان ما ينفعها وما يضرها بمناسبة وبدونها، عازفين سمفونية أزمة تداخل الأدوار.

لقد كانت المصيبة هينة في البداية، عندما كان التنمر والتحامل على المرأة يصدر عن فئات كنا نعيب عليها تشبتها بالبالي من التقاليد والأعراف المهينة للمرأة، وبحظها القليل من العلم والفهم، فما لبث الأمر أن انتعش مع طفرة  مواقع التواصل الاجتماعي، في استعمالات انحصرت في أغلبها في الدعابة، لكنها كشفت كذلك عن علة بائدة مازالت تسكن أذهان بعض شباب هذا الجيل أيضا، لكن التحول الدراماتيكي للقضية صدر هذه المرة عن أشخاص مؤثرين ضمن فضاءات معينة، اعتاد الناس متابعتهم وتكوين انطباعاتهم عن الأخبار والأحداث بناء على مواقفهم وتصريحاتهم، أشخاص يرفعون شعارات براقة.. جلسوا يسردون علينا خلاصات يعتقدون أنها الوحي، ويمنحون أنفسهم حق تصنيف النساء وفرزهن لأدوار الحياة المختلفة، مدعين في ذلك علما خادعا وإحاطة كاذبة. 

لقد ظلت النساء على مدار الزمن قادرات على التعلم والعمل والتفوق، في انسجام تام مع أدوارهن الطبيعية التي أهلتهن لها تركيبتهن الجسمانية، وإذا كان انتقال المرأة للعب أدوار أكبر وأهم خارج البيت نوعا من الاختيار المترف لدى القلة، فهو في الواقع المغربي ضرورة واضطرار لدى الأغلبية منهن، ولا تدري لم كلما تحدث متحدث عن خروج المرأة للفضاء العام اقتصر حديثه على نماذج النساء الرائدات في مجالاتهن، القويات والمستقلات، اللواتي ربما يبعثن في نفسه حقدا وغِلا مبهما، وإلا وعلى افتراض صدق هؤلاء في تبني قضية المرأة فمن أحق بالحديث من نساء القرى والمداشر اللواتي يقضين سحابة يومهن خارج البيت يزاولن أعمالا شاقة ومضنية دون أن يجلب خروجهن كل هذا الرفض والاستنكار، أو الخروج القسري لأخوات لهن لجحيم الرأسمال الذي سجنهن لساعات طويلة في مكعبات قصديرية دون أدنى شروط السلامة وبتعويضات هزيلة في سبيل الإنتاج، وسط صمت مطبق.

النساء اليوم لسن مهتمات البتة بمنافسة الرجال على أدوارهم – على فرض أن لهم أدوارا حصرية -، ولا يناسبهن وضع ’’ثُريات الزينة‘‘ الجامدة، بل تريد النساء اليوم، وأكثر من أي وقت مضى  ممارسة حقوقهن كشريكات، كشقائق، أن تخترن وتنفذن اختياراتهن دون حواجز من أحكام القيمة الجاهزة، إن اعتقاد البعض أنه يمكن الرجوع لوضع تحبس المرأة فيه داخل فضائها الخاص غير الآمن أيضا في حالات كثيرة، ضدا على إرادتها هو اعتقاد مستهجن ينافي متطلبات الواقع، والصوت الذي يخيرهن بين دور المرأة الفعالة في الحياة العامة أو الزوجة المذعنة هو صوت نشاز ومثير للاشمئزاز. 

وفي النهاية على النساء تعويد أنفسهن على النضال على جبهتين، جبهة رسمية حيث النضال متواصل لاكتساب المزيد من الحقوق في التشريعات، وتجريم رادع للانتهاكات، وتكريس أكثر فعالية لمبدأ المساواة، وجبهة موازية مع أفراد يمارسون الوصاية بصيغة الجمع، ويعتقدون أن ’’سوق‘‘ المرأة هو ’’سوقهم‘‘ بالضرورة، لا لشيء لمجرد أنهم رجال، ولعل سيمون دي بوفوار لم تبالغ عندما قالت: حتى أتفه الرجال وأكثرهم وضاعة، يرون أنفسهم أشباه آلهة أمام أي امرأة مهما كانت.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)