يوميات في حضرة الشوافة- 23-

طار النوم من جفوني، بت أفكر في المهمة الجديدة التي كلفتني بها “الشريفة” وهي إستخراج السحر المزعوم المدفون بحديقة زبونتها “لالة زينب”، قمت بمراجعة كل السور القرآنية التي كنت أحفظها في تلك الليلة، من أجل تلاوتها أثناء عملية الحفر كما أوصتني بذلك مشغلتي “الشريفة” رغم أنني أعرف النتيجة مسبقا، وأن السحر المزعوم التي تبحث عنه “لالة زينب” يوجد بجيبي وأنا من سيتحكم في استخراجه وفي اللحظة التي أريدها، فلا داعي إذن للتفكير في الأمر كثيرا، فالمهمة تبدو سهلة وبين يدي، فما علي إلا إتباع الخطوات التي رسمتها “الشريفة” واختيار الوقت المناسب لإخراج الطلاسيم من جيبي ودسها في الحفرة دون أن تفطن “لالة زينب” للأمر.

فجأة سمعت صوت سقوط غطاء المقراش بالمطبخ، عرفت أن والدي يستعد للوضوء من أجل الذهاب إلى المسجد، نهضت من فراشي توضأت، وقررت الذهاب إلى المسجد لأداء صلاة الفجر مادام أن النوم طار من جفوني، أعرف أنني تركت الصلاة منذ عدة شهور، لكنني اعتبرتها فرصة لأعود إلى الصلاة من جديد إرضاء لوالدي الذي صار غاضبا مني بعد تركي للصلاة، وفرصة أيضا لتمضية الوقت حتى طلوع الشمس وتناول الفطور مع بعض المصلين بعد الإنتهاء من قراءة الحزب، ثم التوجه إلى منزل “لالة زينب” للبحث عن الطلاسيم المدفونة بحديقة بيتها.

خرجت من المسجد قصدت بيت “لالة زينب” أسير ببطىء شديد، فوجهتي ليست ببعيدة، وأن الوقت غير مناسب لأطرق بابها، إذ لا زالت الشمس لم ترخي بضوءها بعد ، حركة خفيفة تعرفها شوارع المدينة في تلك اللحظات، اقتربت من السوق الصغير ” Le petit marché ” بدت لي في الأفق أفواج من الجيش الملكي تسير بخطى عسكرية، لا شك أنهم يسيرون في اتجاه جبل “ورزيغة” بضواحي المدينة لتعليم الجنود المبتدئين عملية إستعمال الرصاص “Le tire” تذكرت حينها البطولة العسكرية التي كانت تقام بملعب السكك والملعب البلدي كل يوم جمعة، تذكرت بعض أبناء الحي الذين كانوا يلعبون في هذه البطولة، تذكرت لما كنا نستيقظ في الصباح الباكر لمتابعة أطوارها، فالمقابلة الأولى كانت تنطلق في السابعة صباحا، كنت أحفظ أسماء كل الثكنات العسكرية المتبارية في هذه البطولة سواء التي توجد بالمدينة أو حتى خارجها، واحفظ أيضا أسماء اللاعبين المتميزين وكذا أسماء كبار العسكريين المشرفين على هذه التظاهرة الرياضية التي كانت تستقطب جماهير عريضة من المدنيين والعسكريين على حد سواء ، كما شكلت محطة مهمة لي لتفجير موهبتي في حراسة المرمى.

وصلت إلى بيت “لالة زينب” ضغطت على الجرس، فتحت الباب، أدخلتني إلى غرفة الأكل حضرت لي فطورا شهيا لم أتذوق مثله من قبل، تبدو “لالة زينب” فرحة في تلك الصباح، ترتدي بدلة رياضية حمراء، أغنية “العود الأبيض يا بابا” التونسية تنبعث من مذياع كبير موضوع في صندوق خشبي مزركش وسط المطبخ، تكسر الهدوء الذي يخيم على المكان، خرجت إلى الحديقة قمت بجولة وسطها، تبدو كبيرة وشاسعة، أشجار باسقة تحرسها من كل الجوانب، أخرجت “لالة زينب” السائل التي اغتسلت به فجرا، ناولتني فأس و”بالة” بدأت في رش السائل، فيما شرعت أنا في قراءة القرآن بصوت مرتفع ما، كانت “لالة زينب” تنظر إلي باندهاش وأنا أتلو القرآن، اخترت وسط الحديقة لبداية الحفر، الأرض هشة الفأس تنغمس في التراب بسهولة، أحفر ببطء أتوقف تارة وأحفر تارة، طلبت من “لالة زينب” كوب ماء بارد لأشرب، ما إن اختفت حتى أخرجت الطلاسيم من جيبي و قمت بدسها وسط الحفرة، شربت كوب الماء، انتقلت إلى مدخل الحديقة شرعت في الحفر ثانية فأنا أمشي وفق تعليمات وتوجيهات مشغلتي “الشريفة”.

 

وضعت “لالة زينب” كرسيا وجلست بجانبي، وبدأت تحكي بعض من شذرات حياتها، علمت أنها متزوجة من مقاول كبير منذ 9 سنوات وأنها أم لطفلين، وأنها الزوجة الثانية للمقاول، وأن زوجته الأولى تقطن في فيلا أخرى رفقة أبناءها، وتكن لها الكره والحقد، ولا شك أنها من قامت بدفن السحر داخل الحديقة، من أجل أن تنفرد بالمقاول، وأقسمت “لالة زينب” أنها لن تسمح للزوجة الأولى أن تنفرد بالمقاول لوحدها، مهما كلفها من ذلك من ثمن، وخاصة أنه تمكن خلال السنوات الأخيرة من الفوز بعدة صفقات كبيرة وبعدة مدن مغربية وأنه سيجني منها أرباحا مالية مهمة، عرفت أنها كانت تشغل مهمة سكرتيرة عند المقاول قبل أن يغرم بها وتصبح زوجته الثانية، عرفت أن الفيلا التي نتواجد بها صارت في ملكيتها بعد قام زوجها بنقلها إليها وهو ما أثار غضب الزوجة الأولى.

يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)