يوميات في حضرة الشوافة -21-

بعد غيبة طويلة عادت “لالة زينب” إلى بيت “الشريفة”، يبدو شكلها تغير تماما، غيرت من تسريحة شعرها صار قصيرا جدا، لم تكن ترتدي التنورة كما اعتدت على رأيتها، اختارت هذه المرة ارتداء سروال أسود اللون تتوسطه خطوط عريضة بيضاء مائلة، وقميص يشبه تماما سروالها.

صارت أيضا تشبه أستاذة اللغة الفرنسية التي كانت تدخن بشراهة، حيث كانت ترسلني خلال فترة الإستراحة لأقتني لها علبة سجائر، أعرف أنها تدخن حتى قبل أن أصبح تلميذا لها، وهي تعرف الأمر أيضا، لقد عرفتها لما كانت تتردد على إحدى مقاهي مدينة مكناس، تنزوي بركن داخل حديقة المقهى، تضع علبة السجائر على الطاولة، تخرج كتبها من محفظتها وتشرع في الكتابة والقراءة، غير مكترثة لما يحيط بها، فجميع رواد المقهى يعرفونها لأنها من الزبناء الأوفياء، قبل أن تصبح زبونتي أيضا حينما كنت أتجول بين مقاهي المدينة أبيع الجرائد، و لما كانت تقتني مني جريدتها المفضلة، كانت لا تتردد أيضا في طلبي لأشتري لها علبة سجائر ، كما كان يفعل معي الكثير من زبناء المقاهي إذ لم تكن عملية بيع السجائر بالتقسيط منتشرة بشكل واسع خلال تلك الفترة كما هو الشأن الآن.

إذن، إنتهت العطلة الصيفية، ولم أعد بائعا للجرائد، ولم أعد أقتني علب السجائر لزبناء المقاهي، أصبحت فقط اقتنيها لأستاذة اللغة الفرنسية، التي كان الجميع يهابها ويقدرها ويحترمها، شخصيتها قوية، مثقفة ومناضلة تحب عملها، جميلة الملامح شعرها أشقر تحب “الموضة” لم أراها يوما في القسم بدون وزرة، نادرا ما تنطق بكلمة بالعربية، ولا أتذكر يوما أنها تغيبت عن الدرس.

لم تنتظر “لالة زينب” دورها كباقي الزبونات كما اعتادت على ذلك، استقبلتها “الشريفة” بحفاوة كما كانت تفعل مع الزبونات المتميزات، عكس الأخريات التي لم تكن تهتم بهن، وبعد حديث طويل أخبرت “الشريفة” زبونتها “لالة زينب” أن امرأة مع عائلتها دون تحديد هويتها، تغار منها وتحسدها على الخيرات التي تنعم فيها وعلاقة الحب التي تجمعها بزوجها، إذ قامت بأعمال سحر وشعوذة من خلال دفن طلاسيم بحديقة بيتها، بهدف زرع التفرقة بينها وبين زوجها..

 

اندهشت “لالة زينب” من كلام “الشريفة” تغير لون وجهها، صار شاحبا، توقفت عن الكلام، تاه تفكيرها وتشتت، قبل أن تقوم “الشريفة” بإمساكها بقوة من يدها اليمنى وشرعت في ترديد كلمات مبهمة، وبشرتها أن المشكل سيحل في القريب العاجل، وأنها باستطاعتها إستخراج تلك الطلاسيم المدفونة بحديقة بيتها، وإبطال مفعولها، ارتمت “لالة زينب” بين أحضان “الشريفة” وهي تقبل رأسها ويدها ووعدتها بإكرامية مهمة إن أخرجت الطلاسيم المدفونة في حديقة بيتها، أعطتها قارورة ماء ممزوجة ببعض الأعشاب وطلبت منها أن تسخن السائل وتغتسل به مع آذان الفجر، دون أن تمس شعرها، وتحتفظ بما تبقى من السائل بعد عملية الغسل في إيناء حتى استعماله في رش حديقة بيتها أثناء عملية الحفر بحثا عن الطلاسيم المدفونة، واتفقت ” الشريفة” مع “لالة زينب” على أنني من سيتولى مهمة الحفر داخل حديقة “لالة زينب” لاستخراج الطلاسيم.
يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)