يوميات في حضرة الشوافة -8-

 

رغم أنني نمت متأخرا، استيقظت في الوقت المعتاد. دخلت إلى المطبخ، شربت كأس شاي كان قد حضره والدي بعد عودته من المسجد، تناولت قطعة خبز بارد، غادرت المنزل في إتجاه مقر عملي عند “الشريفة” تنتظرني حوالي ساعة سيرا على الأقدام، فالصباح الباكر غير مناسب للتسلل في حافلة النقل الحضري بالنظر إلى العدد القليل من المرتفقين، إذ من السهل الوقوع بين أيدي المراقب، فالمهمة تكون أسهل خلال عودتي من العمل، في الفترة المسائية أين تكون الحافلات مكتظة بالركاب.

 

عرجت على ساحة المسجد بحينا، صوت المذياع ينبعث من جيب حارس السيارات، ناداني الحارس بإسمي توقفت، طلب مني أن أساعده في دفع سيارة لأحد زبنائها حتى يتمكن من تشغيل محركها، أعرف صاحب السيارة وحالتها الميكانيكية المهترئة، أعرف ما ينتظرني في تلك اللحظة من مجهود بدني كبير، أعرف أن محرك هذه السيارة يتطلب وقتا طويلا حتى يشتغل، إذ يتعين دفعها حتى الوصول إلى طريق منحدر، حينها تنتهي مهمة كل من تطوع في دفع هذه السيارة المشؤومة، إذ كان البعض منا يتجنب المرور قرب ساحة المسجد في الصباح لتفادي عملية دفع السيارة وخاصة أن صاحبها كان معروفا في الحي ويحظى باحترام الجميع، ونستحيي من رفض طلبه.

 

وصلت إلى منزل “الشريفة” طرقت الباب، فتحت الخادمة، أخبرتني أن “الشريفة” غير موجودة، وأنه علي أن أتوجه إلى الخضار الذي كنت أشتغل عنده قبل أن أصبح خادما عند “الشريفة”، لإحضار القفة لقد أوصت الخضار بذلك.

 

كانت مناسبة لأزور مشغلي السابق، وباقي التجار الذين كنت أعرفهم في السوق.. طلبوا مني أن ألعب معهم مباراة في كرة القدم زوال يوم الجمعة بملعب “الزويتينة” أمام فريق الجزارين.. وافقت على ذلك ما دام أن يوم الجمعة راحة.

حملت القفة وعدت إلى منزل “الشريفة” أخرجت “المجمر” شرعت في ايقاده،  في إنتظار قدوم الزبونات.. كنت فرحا أردد وبصوت عال مقطعا من أغنية الفيلم الهندي ” انتقام الحية” الذي شاهدته ليلة أمس بسينما الأطلس.

 

كانت الخادمة “زهرة” تسترق السمع وراء الستار، وما أن أنهيت المقطع ، حتى سألتني عن هذه الأغنية، أخبرتها أنها لفيلم هندي شاهدته ليلة أمس بسينما الأطلس، طلبت مني أن أحكي لها قصة الفيلم قبل أن تأتي “الشريفة”، كانت “زهرة” تصغي إلي باهتمام بالغ وأنا أسرد تفاصيل “انتقام حية”.

 

تعاطفت الخادمة كثيرا مع بطلة الفيلم وأشفقت على حالها، وتمنت أن تشاهد صورتها يوما ما، أما قاعة السينما فلا يمكن دخولها لوحدها، ما دام أنها لاتخرج بمفردها إلا إلى البقال وفرن الحي..

 

وعدتها أنني سوف أحضر لها صورة بطلة فيلم “انتقام حية” فجأة دخلت “الشريفة” انصرفت الخادمة نحو فناء الرياض الواسع، لتكمل نشر ما غسلته من ملابس بيديها الصغيرتين.

يتبع

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)