يوميات في حضرة الشوافة – 3 –

عادت لالة “زينب” إلى بيت “الشريفة” خلال اليوم الموالي، هذه المرة أدخلتها دون استشارة مع مشغلتي، سألتني لالة “زينب”عن المكان الذي تخلصت فيه من “الحروز” التي ناولتني إياها أمس ، أخبرتها أنني دفنتها في مكان لا يمكن العثور عليها أبدا.
أين؟
داخل المقبرة الأوروبية “قبور النصارى”
وكيف تسللت إلى المقبرة وهي محروسة؟
أخبرتها أنني أعرف المقبرة الأوروبية شبرا شبرا وقبرا قبرا، أعرف حتى الطاووس الذي يحرسها، وأعرف حتى أسماء بعض الموتى من جنسيات أوروبية مختلفة وخاصة الفرنسيين منهم.

وكيف عرفت ذلك؟

أخبرتها أنني أقطن بالقرب من المقبرة الأوروبية، وأمر بجانبها كل يوم تقريبا، وأكثر من هذا أنني كنت أبيع الورد وقارورات المياه في باب المقبرة للنساء الفرنسيات اللواتي كن يتوافدن على المقبرة زوال كل يوم سبت لزيارة قبور أزواجهن وباقي أفراد عائلاتهن والترحم عليهم ، وكان كلما اشترت مني إحداهن الورد وقارورات المياه، تصطحبني معها لزرع الورود فوق القبور ورش الماء عليها وأحيانا كنت أقوم بغسل القبر بكامله وتنظيفه، هكذا هي حكايتي مع قبور النصارى “لالة زينب” صمتت قليلا ثم قالت “للشريفة” “تهلاي في هذ الوليد” وقبل أن تنهض من مكانها ناولتني ورقة زرقاء من فئة 5 دراهم كما فعلت معي أمس ، وقبل أن تنصرف أيضا وعدتني ” لالة زينب” أنها سوف تشتري لي دراجة هوائية إن تحقق المراد الذي تتردد من أجله على بيت “الشريفة”.

 

عدت فرحا ومسرورا إلى قاعة الانتظار، هناك زبونات كثيرات من مختلف الأعمار والشرائح ينتظرن دورهن، فتيات في مقتبل العمر يبحثن عن فرسان أحلامهن، نساء يرغبن في كبح جماح أزواجهن، أمهات يشتكين نساء خطفن أبناءهن وأخريات يركضن وراء طرد الثقاف والنحس والتوكال وغيرها من المعتقدات الأخرى.

 

ولما كنت أهم بإدخال إحدى الزبونات إلى “الشريفة”، دخلت امرأة بدوية تحمل في يدها اليمنى ديكا بلديا أسود اللون، وبيسراها قفة من الحلفاء، طلبت مني أن أمنح هذه الأغراض “للشريفة”.

 

لما وضعت الأغراض أمام “الشريفة” سألتني هل بإمكاني ذبح الديك، قلت لها طبعا فأنا أملك تجربة في ذلك لما كنت أشتغل لدى أحد بائعي الدجاج، تبسمت قليلا وقالت لي هل تصلي؟ نعم أصلي لأن والدي لا يتساهل معنا بخصوص الصلاة داخل البيت، فهو اإنسان متدين إلى حد التصوف، كانوا الناس ينادونه بالفقيه رغم أنه لم يكون فقيها فقط كان ينوب عن الإمام في الصلاة داخل المسجد أثناء غيابه وخاصة خلال صلاة الفجر.

 

ذبحت الديك، وأعطيته إلى خادمة “الشريفة” لتحضير وجبة الغذاء، الخادمة كانت لا زالت طفلة صغيرة عمرها لا يتجاوز 14 سنة، عرفت من بعد أنها تتحدر من منطقة تافيلالت وأن “الشريفة” أتت بها منذ كانت صغيرة جدا لتشتغل عندها في البيت، وأن والدها يتردد عليها كل 6 أشهر من أجل استلام المال من “الشريفة” ثم يغادر.
يتبع

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)