كورونا.. حصيلة رقم 4

يونس خراشي 
تأكد، أكثر من أي وقت مضى، أن المغرب يملك مخزونا طاقيا عقليا وإبداعيا من الطراز الرفيع، لولا أن هذا المخزون بقي مخزونا فقط، ولم ينقب عنه، فيستخرج من التراب، ويحول إلى معدن نفيس، يجعل بلدنا في مصاف الكبار.
فها قد أنتج أبناؤنا تطبيقات ذكية جدا، وأجهزة للتنفس، وغير ذلك كثير، للإسهام في مجابهة فيروس كورونا، والتغلب عليه، بكفاءة عالية جدا، وفي زمن قياسي، ووفق الحاجة، وبثمن مقبول ومعقول، وأحيانا بالمجان، فقط مساهمة من الأبناء في حمل وطنهم على الأكتاف.
السؤال الذي يلح علينا الآن: أين كان هؤلاء الأبناء من قبل؟ ألم يكونوا أكفاء فيبرزوا؟ ألم تكن لديهم الملكات الإبداعية لكي يظهروا في شاشات التلفزيون؟ لماذا كان يظهر التافهون باستمرار، فيما هؤلاء المبدعون الأبطال لا يعرفهم أحد؟
بالقطع تعلمون كلكم الجواب. ولستم اليوم بحاجة إليه، بقدر ما أنتم، ونحن، وكلنا، بحاجة إلى أن ننهي الصلة بما كان يقع في وقت سابق، من إبراز للتافهين على حساب الأبطال من ذوي القيم الفاعة، تلك التي برزت على حين غرة، وفي “وقت الحزة”، مظهرة معدنا رفيعا، فيه من “تمغربيت” كل شيء صالح؛ بالقيم الأخلاقية، والإيمانية، والعلمية، التي سيخلدها التاريخ، وسيدرسها جيل بعد جيل، وستكتب في الرواية والقصة، أو لنقل ينبغي لها أن تكتب فيها، ويتعلمها الصغار بدءا من العام المقبل إن شاء الله، في الكراسات المدرسية.
إن المغاربة ليشعرون بفخر ما بعده فخر، وهم يعيشون، مشهدا بمشهد، نهارا جهارا، ملحمة عظيمة، يبرز فيها أبناؤهم؛ أي نعم أبناؤهم، وقد شمروا عن ساعد الجد، وراحوا يخترعون، ويبتكرون، ويثبتون بذلك، لمن كان يبخسهم ويرخصهم، بالدعوات المغرضة والتفاهات المنكرة والميوعة المرفوضة، أنهم في المستوى، ويمكن لغيرهم أن يكون أيضا، بتعليم جيد، يعتمد قيمنا، وإيماننا، وانفتاحنا الفطري على العالم بكل مكوناته.
إن هؤلاء، وغيرهم ممن يتصدون اليوم؛ في شتى المجالات، وبكل فئاتهم، وتنوعهم، للوباء، منتصرين لـ”مغربيتهم فقط” على كل النعرات والانتماءات والعصبيات أيا كانت، يحتاجون، اليوم وغدا، أن يصالحهم وطنهم كما صالحوه، بالمعقول الواعد والترفيه الهادف والمؤسسات التي تخدمه عن قرب وعن بعد أيضا، في بوثقة الوطن الغيور على أبنائه، الذي يعرف أنه وطن كبير تاريخيا، ويتعين عليه أن يعود إلى موقعه الكبير.
صار من النافل، اليوم، القول إن ما ينفعنا هو الذي يوجد الآن في الميدان. وهذا صحيح، فحتى صورة المجلس الحكومي بعدد من الوزارات قليل وناجع تبين بالدليل أنه يمكن تشكيل حكومة من عدد قليل جدا من الوزراء، بإدارات موسعة وشاملة، وقس على ذلك بالبرلمان، وغيره من المؤسسات الأخرى، حيث يمكن التعامل من بعيد بالوسائل الرقمية التكنولوجية الحديثة، واقتصاد الكثير الكثير من الجهد والمال والوقت، لفائدة ميزانية مغربية تحتاج للكثير من الترشيد.
ها نحن إذن أمام درس آخر من دروس المرحلة، عسانا نقرأه جيدا، ونستفيد منه في المقبل من الأيام، حيث نحلم بأن نرى في تلفزيوننا، المتحرك جدا وبقوة هذه الأيام، فنا هادفا مستهدفا، وأخبارا من واقعنا بتحليل مثر، وتعلميا عن بعد يسهم مع المدرسة الوطنية في تنشئة أجيال متنورة، وصحة تكرم الطبيب والممرض والإداري والمخبري ورجل النظافة والأمن، بما يجعل المجتمع كله يتكاثف، كما هو الآن، ليكون المعقولون في المقدمة.
ليس عيبا ولا سيئا أن نهتم، إذن، بلاعبي المنتخب الوطني لكرة القدم (الكرة استحوذت على الرياضة كلها حتى خربتها)، كما يحدث في كل بلاد الدنيا، ولكن ليس ذلك أولوية أبدا، ولا ينغبي أن يكون، مثلما هو عليه الأمر مع الفرق الأخرى. فالصحيح أن يأتي المنتخب، وتأتي فرق الكرة، ويأتي المترفون من الكرة والفن وغيره في مقام آخر غير المقام الأول، لأن لهذا القام شأن خاص، وينبغي له.
تحياتي
وصل اللهم على الحبيب محمد.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)