طلبنا السياح ليزوروا السعيدية فاستجاب الخنزير البري للدعوة!

كم هو مثير للدهشة والأسى، في نفس الآن، أن يشاهد المرء بمدينة سياحية كالسعيدية، وهي مستباحة من قبل الخنزير البري بعدما هجرها السياح من الداخل والخارج.

 

يشعر المرء وهو يتابع بعض مقاطع الفيديو التي انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، لعدد من الخنازير وهي تجوب الشوارع والاقامات السكنية، بأن السعيدية حقا وصلت إلى مرحلة الموت، مرحلة الهجران التي تسمح بزوار من عالم الحيوان بقضاء أوقات ممتعة في هذه الفضاءات التي كلفت الملايير من الدراهم.

 

إن واقع الهجران الذي تعيشه الجوهرة الزرقاء، في الحقيقة كان متوقعا، وإن لم يكن متوقعا أن يكون بهذه الفداحة. ذلك أن المدينة التي تسعى إلى استقطاب السياح فقط لأنها مدينة شاطئية وتتوفر على بنية استقبال معينة، يصبح رهانها في الوقت الذي تغير مفهوم السياحة والتسويق السياحي محكوم بالفشل.

فالسائح الذي نسعى إلى استقدامه، وبالخصوص الأوروبي، يتوفر في مكان تواجده على بنية استقبال أفضل منا بكثير، وشواطئ أجمل بكثير، وبالتالي فإن منتوجا مشابها وأقل جودة مما لديه لن يكون بالتأكيد مغريا له، وهذا سبب من أسباب معضلة الاستقطاب إلى مدينة السعيدية وإلى عموم المدن السياحية.

 

لقد أغفل المسؤولين على السياحة في هذا البلد، أمرين هامين، ففي الوقت الذي وجهوا جميع الجهود إلى تأسيس بنية استقبال سياحية كبيرة كما هو الشأن بمدينة السعيدية حتى تحولت هذه البنية العقارية إلى عامل مادي أثر كثيرا في البنية الحضرية للمدينة، بل ويمكن القول بأنها وصلت إلى حد التخمة، لم يفكروا جيدا أو لم تكن لديهم استراتيجية حول ما يجب أن يرافق ذلك من تنشيط سياحي وخلق للمسارات السياحية.

 

إن بنية التنشيط لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تعني تنظيم بعض الانشطة الثقافية والفنية في وقت الذروة في المدينة (الفترة الصيفية)، بقدر ما هي بنية للمسارات السياحية التي كان من المفروض الاستثمار فيها، خاصة وأن اقليم بركان بشكل خاص، والجهة الشرقية عموما، تزخر بالعديد من المواقع التي يمكن إدماجها في مسارات سياحية تضمن على الأقل استدامة الفعل السياحي حتى وإن لم يكن بوتيرة ثابتة، ولكن ستكون هذه البنية عامل محفز دائم للسياح.

إن السائح الذي نحاول استهدافه، هو سائح يرغب في الحقيقة اكتشاف البلد، والتعرف على تقاليده، وعلى ما يميزه من تراث مادي ولا مادي، شأنه في الحقيقة شأن جميع السياح في العالم، ولا تهمه كثيرا في تقديري حياة “الفنادق المغلقة”، لأنه ببساطة، وكما قلنا هذه الحياة جربها ويتعايش معها في بلده وفي ظروف وجودة أفضل.

 

إن الزوار الجدد للسعيدية (الخنزير البري)، زيارتهم بقدر ما هو إعلان على أن هذه المدينة تتحول خاصة في الفترة الشتوية إلى مدينة أشباح تمنح الكثير من الشجاعة للوحيش للتجول فيها بحرية، هو أيضا إعلان وناقوس خطر للنموذج الاقتصادي الذي نريده لهذه المدينة ولعموم الجهة، ويسائل في الحقيقة المسؤولين وخططهم لإنقاذ ما يمكن انقاذه في السنوات القادمة، حتى لا ينضاف هذا القطاع إلى القطاعات العديدة التي نراكم فيها الإخفاق.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)