سوسيولوجيا التفاهة.. في الإعلام والمدرسة!

 

آلان تورين يؤكد أن السوسيولوجيا لا تتغذى إلا على الاجتماعي، ولا تنشط إلا في زحام الفعل الاجتماعي التفاعلي، ما يعني أن المجتمع هو الذي يحرك العِلم، ويمنحه طاقة التفكير في ممكنات فهم البنية، وتحليل سياقات إنتاج تمفصلاتها.

ولأن عالم الاجتماع لا يمر في الشارع بسلام، بالنظر إلى اختلاف الزاوية التي ينظر منها إلى الظواهر، وتباين منهج فهمه لها، عكس الإنسان العادي المحكوم بمنطق ” المألوف”، وسيرورة الفعل الاعتيادي، وهو ما يجعل السطحي كاسف لعمق المعنى الذي يختزله الفعل الاجتماعي، حيث تصير الرداءة موجها رسميا للذوق، ومنطلقا لبناء الفهم، والتحليل، والحكم أيضا.

في الإعلام، كما في المدرسة.. وعبر وسائط التنشئة الأخرى، تنفلت قدرة الفرد على البناء، ويحصل الاكتفاء باستهلاك المعطى، دون تمحيص، أو نقد، وكأن النقد بدعة، والتشكيك ريبة، والأدهى من ذلك أن القناعات التي تتشكل وسط هذا التراكم ” الردءاتي”، يصعب خلخلتها بالنظر إلى صلابة البنية الموجهة لها، حيث تصير التفاهة، والرداءة، والتسطيح.. الأصل في الممارسة، بل يتم قبولها كما لو أنها مفروضة أنطولوجيا.

تحقق الرداءة امتداداتها العميقة في البنية الكلية للمجتمع؛ من الإعلام حيث ” أهل الحرفة” في خبر كان، إلى المدرسة حيث المقاومة قاربت على الانهزام، على اعتبار أن ” اللي حرثو الجمل دكو”!

المثير للاستغراب، بل للشفقة، وفق تأمل بسيط لما جرى ويجري، هو أن الجميع ضد الرداءة، وضد التفاهة، وضد كل أشكال الانحدار، والبؤس، لكن القليل من هؤلاء من يبادر إلى طرح السؤال، واعتماد مقاربة علمية للتشخيص، والفهم، خاصة بالنسبة لقبيلة الباحثين، ومن يسير في خطهم، حيث الاستعداد ممكنا ل” السباحة مع التيار”، في تحدٍّ صريح للمثل الصيني ” الأسماك الميتة وحدها تسبح مع التيار”.

سؤال عريض يؤطر معنى القضية، ويهدم ما قبلها، وهو : هل الرداءة صناعة قصدية!؟ وماذا يمكن أن تجني الجهات المسؤولة منها!؟ آلا يمكن القول بأن كلفتها كبيرة، وتداعياتها المستقبلية من شأنها أن تمارس دورا عكسيا !؟ أسئلة وغيرها تكشف قلقا حقيقيا لما يعتمل في المجتمع، لا من زاوية النظرة العلوية، التي تُظهر النسق منسجما مع مكوناته، بل من الزاوية التفكيكية، لأن منطق الظواهر تقول بأنه لا شيء يحصل صدفة، والمقدمات دوما تصنع النتائج؛ والنتيجة حتما لن تكون خادمة ل” السيستيم”.

من قائل أين علماء الاجتماع!؟ وأين تتجلى أدوارهم!؟ بل ما حاجة المجتمع إلى ” المثقف” إذا كان الذوق العام مهدد، والقنوات التي تبني، وتربي.. اخترقت من الداخل!؟ هذه الأسئلة تحمل في طياتها أجوبة حول مسار الباحث، والمفكر، والعالم.. وكل شرح للواضحات لا يعدو كونه من المُفضحات!

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)