المادة التاسعة من قانون المالية..خلافات مستمرة وانتظار المعجزة في مجلس المستشارين!

رغم إقرار مجلس النواب المغربي (الغرفة الثانية من البرلمان)، لمشروع قانون المالية، الذي لحقه هذه السنة جدل كبير بسبب مقتضيات المادة التاسعة التي حدت من تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة لصالح الغير في مواجهة الادارة، حيث لن يتمكن المتقاضون من تنفيذ الأحكام على ممتلكات واعتمادات الدولة إلا وفق ما هو مفتوح ومخصص لهذا الغرض في ميزانيات هذه المؤسسات.

 

هذا الإجراء رمت من خلاله الحكومة عدم وضع المؤسسات والجماعات الترابية في موضع الإفلاس بسبب تراكم الديون الناجمة عن الأحكام القضائية النهائية الصادرة ضدها والتي تصل عند بعضها إلى ملايير السنتيمات.

 

ورغم أن المادة وفق الصيغة الجديدة التي توافقت عليها الفرق البرلمانية بمجلس النواب، وضعت أجلا للوفاء في حدود ٤ سنوات، إلا أنها ظلت صيغة غير مقنعة للعديد من الفئات في أسرة العدالة وبالخصوص المحامون الذين خرجوا قبل أيام في مختلف المحاكم محتجين على اقرار هذه المادة التي يعتبرونها غير دستورية، ومتناقضة ومبدأ احترام سيادة القانون وقدسية الأحكام القضائية المكتسبة لقوة الشيء المقضي به.

 

الخلاف وصلت الحكومة

 

في الوقت الذي كان يعتقد العديد من المراقبين بأن الصيغة المتوافق عليها والتي جرى تمريرها ضمن مشروع قانون المالية بمجلس النواب، عليها اجماع الحكومة، برز خلاف واضح بين وزير حقوق الانسان المصطفى الرميد، ووزير الداخلية عبد الوافي لفتيت في الاجتماع الأخير لمجلس الحكومة، يبرز بأن الحكومة نفسها تعيش على وقع الاختلاف اتجاه هذه المادة المثيرة للجدل.

 

فالرميد الذي يعتبر بأن إقرار هذه المادة تجاوز قانوني، وحتى تجاوز لمسلسل من المشاورات والاجتماعات والجهد الذي سبق وبذله لإقرار تعديلات تخص مسألة تنفيذ الأحكام القضائية في قانون المسطرة المدنية، لقي معارضة من لفتيت رجل الداخلية، الذي لا يحرص وفق الكثير من المراقبين على الالتزام بروح الدستور بقدر ما يسعى إلى الحفاظ على التوازنات المالية للمؤسسات وبالخصوص الجماعات الترابية التي يمكن أن يضع مسألة تنفيذ الأحكام على بعضها في موضع الإفلاس التام، وهو ما يعني زيادة المتاعب لوزارة الداخلية التي سبق لها وأن خصصت العديد من الاعتمادات كتحويلات خاصة لبعض الجماعات لتسديد الديون المتراكمة عليها.

 

مساس بهيبة القضاء

 

دخلت على خط النقاش الساخن الدائر حول المادة التاسعة، حتى النقابات، حيث اعتبرت المنظمة الديمقراطية للشغل، أن هذه المادة “مخالفة للدستور ولفصل السلطات، وهي احتقار للأحكام القضائية،  ومساس بهيبة القضاء والثقة في العدالة، وانتهاك للحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، وستكون لها انعكاسات خطيرة على حياة المقاولة المغربية وعلى استقرار الشغل بالنسبة لليد العاملة”.

 

واعتبرت المنظمة في بلاغ لها توصل سمش بوست بنسخة منه “مضامين  المادة التاسعة من مشروع القانون المالي لسنة 2020، سابقة في تاريخ المغرب و مخالفة للمقتضيات  الدستورية ولكل القوانين والأعراف الديمقراطية وانتهاك صارخ لحقوق المواطنين في مواجهة الدولة والقبول بها من خلال مشروع القانون المالي سيفتح الأبواب على مصراعيها لانتهاك حقوق دستورية أخرى تتعلق بالعدالة والحريات الأساسية”.

 

أكثر من ذلك قالت المنظمة بأن المادة “ستكون لها انعكاسات سلبية جدا خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية الحالية والانكماش الاقتصادي وسياسة التقشف المنتهجة من طرف الحكومة  ففضلا عن حقوق المواطنين فرادى أو جماعات في انتزاع أراضيهم أو المساس بممتلكاتهم أو بالحقوق الإدارية للموظفين و أعوان الإدارة… فإن عددا كبيرا من المقاولات الصغرى والمتوسطة والصغيرة جدا، وصلت حد الإفلاس والإغلاق التام بسبب الثقل الضريبي وضعف الاستثمار العمومي والاحتكار وتوجيه الصفقات  وخاصة عدم الحصول على مستحقاتها لقاء الخدمات التي تقدمها في إطار الصفقات العمومية القطاعات العامة والجماعات الترابية حيث وصل عدد المقاولات المفلسة سنة 2018 -2019 ما يقارب 12 ألف مقاولة”. 

 

هل يصنع المستشارون المعجزة؟

 

هناك العديد من المراقبين يتوقعون حصول فارق وتغيير في مجلس المستشارين، حيث يراهن العديد منهم على التعديلات التي سيتقدم بها المستشارون على هذه المادة للتراجع على ما تم إقراره في مجلس النواب.

 

ويربط هؤلاء بين هذه الرغبة وتواتر المواقف المناهضة لما تم اقراره من قبل نواب الأمة، غير أن هذه الرغبة قد تجد نفسها أمام استخدام الحكمة لما يمكن اعتباره “حق الفيتو” للحكومة، التي لها كل الصلاحيات برفض اي تعديل، قد يتم اقراره في مجلس المستشارين مع تعليلها للرفض، وهو ما يجعل مهمة تعديل هذه المادة بالذات مستحيلا أو من باب المعجزة.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)