هل تستطيع “حركة مواطنة” تغيير النظام السياسي بالجزائر؟

لفهم ما يجري من تطورات غير مسبوقة تقريبا في الجزائر، وجب استحضار تاريخ الانتفاضات والاحتجاجات في هذا البلد، ولن نذهب إلى حقبة الاستعمار الفرنسي بقدر ما نركز بالأساس على انتفاضة “القبايل”، في ثمانينيات القرن الماضي، ثم الاحتجاجات الشعبية العارمة لسنة 1989، و التي استجاب فيها الرئيس الشادلي بن جديد لنبض الشارع بإقرار تعديلات سياسية ودستورية في البلاد تمخض عنها الاعتراف بالتعددية والسماح بتشكيل الأحزاب السياسية ومضت الجزائر في مسلسلها الديمقراطي، حيث نظمت انتخابات بلدية وتشريعية في بداية التسعينات من القرن الماضي وصفت بأنها الانزه والأنظف.

وفازت كما هو معلوم، الجبهة الإسلامية للإنقاذ متبوعة بجبهة القوى الاشتراكية لزعيمها التاريخي الحسين أيت أحمد، فيما مني الحزب الحاكم FLN بالهزيمة وكانت الجبهة الاسلامية قاب قوسين أو ادنى من الحسم في السلطة السياسية. إلا أن هذا الفوز لم يرق المؤسسة العسكرية التي سعت إلى إجهاض هذا المسلسل في مهده بإجبار الشادلي بن جديد على الإستقالة وتشكيل المجلس الأعلى للدولة الذي ترأسه علي كافي، ثم بعد ذلك جيء بمحمد بوضياف ليحكم الجزائر بدون تزكيه الشعب إلى أن وقع هو الأخر ضحية الاغتيالات التي طالت السياسيين والمثقفين والفنانين فيما اصطلح عليه بالعشرية السوداء التي ذهب ضحيتها أكثر من 126000 مواطن، بالاضافة الى العدد الكبير من المفقودين.

حاول اليمين زروال بعدها جاهدا وضع حد للحرب الأهلية التي عاشت على وقعها الجزائر بإقرار قانون الرحمة، المتمثل في العفو عن العناصر المسلحة وإدماجها في المجتمع، قبل أن يقرر هو الأخر الاستقالة من منصبه تحت ضغط المؤسسة العسكرية التي اعتمدت على كاريزمية عبد العزيز بوتفليقة وزكته رئيسا للجمهورية، ووظفت لذلك الغرض الأحزاب السياسية   وخصوصا FLN وRND والمركزية النقابية الوحيدة في البلاد UGTT، والتي على امتداد أربع عهدات من سنة 1999 و 2004 ثم 2009 و 2014 كان نفس السيناريو يتكرر هو الفوز الكاسح لبوتفليقة على منافسيه بنسبة تتجاوز 80%، رغم الوضع الاقتصادي والسياسي والاجتماعي المتدهور إلا أن النظام السياسي تباهى دائما بالنتائج التي حققتها سياسة الوئام المدني التي وضعت حدا للحرب الأهلية رغم ضعف، إن لم نقل انعدام المرافق العمومية من تعليم وصحة وسكن، ورغم احتلال الجزائر للمراتب الدنيا في سلم مؤشرات التنمية الصادرة عن المنظمات الدولية.

وطبعا النقطة التي أفاضت الكأس هي الوضع الصحي الحرج للرئيس بوتفليقة وإصرار العسكر على العهدة الخامسة، هذا الاصرار الذي أخرج الالاف من الجزائريين في جل المدن الجزائرية والفرنسية للتظاهر ضده بناء على دعوات من مواقع التواصل الاجتماعي لحركة مواطنة دون أن تتبناها اية جهة سياسية كانت، أو نقابية.

هذا يعني أن هذه الاحتجاجات تبقى بدون غطاء سياسي، والمعلوم أن عسكر الجزائر بارع في الالتفاف، ومعروف عنه انه لن يتنازل بسرعة وسيمضي في تنفيذ أجندته على اعتبار أن صراعه مع الشعب هو صراع وجود ومصالح، وأمامه الكثير من الخيارات تكمن في تغييره للملاعق وللاعبين، وقد تذهب إلى حد إعلان حالة الطوارئ، التي قد تبتدأ بالإستفزازات وجر البلاد نحو الفوضى ليكون العسكر في النهاية هو الملاذ وهو المنقذ.

الرهان كل الرهان إذن من أجل أن تحقق هذه الثورة أهدافها هو التفاف أطياف المجتمع المدني على مشروع مجتمع متكامل يكون محط إجماع الفرقاء.

عبد العزيز الداودي، نقابي مغربي

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)