هجرة المستثمرين عن جهة الشرق تسائل الحكومة عن البديل الاقتصادي

 

الدكتور سوفيان بوشكور

لا يختلف اثنان أن جهة الشرق تعاني من أزمة اقتصادية غير مسبوقة استمدت مرجعيتها من :

عوامل دولية: ازمة أوروبا 2008-2013 والتي أثرت بشكل مباشر على مداخيل الأسر بجهة الشرق والتي تعيش من عائدات أبناءها بالخارج اذ ازيد من 30 من مغاربة الخارج ينحدرون من الشرق و عليه، تأثير الأزمة على سوق الشغل بأروبا انعكس بشكل سلبي على الطلب الداخلي بعد تدهور القدرة الشرائية للأسر.

 عوامل وطنية: السياسة الحكومية المعتمدة خلال السنوات الأخيرة مع تخفيض 15 مليار من الاستثمارات (سنة 2013).
• الاستثمارات العمومية الموجهة للجهة جد ضعيفة وتتراوح بين 2000 و 4000 درهم للفرد في حين تستحوذ 3 جهات على 73% من الاستثمارات؛
• ضرب القدرة الشرائية وخاصة للطبقات المتوسطة وخاصة بعد ألغاء صندوق المقاصة وتحرير أسعار المحروقات واصلاح التقاعد من جيوب الموظفات والموظفين وتجميد الأجور؛
• تحسن مستوى عيش الطبقات المتوسطة على حساب القروض التي انعكست سلبا مع الازمة الاقتصادية وأضعفت بذلك أضعف القدرة الشرائية لمواطني الجهة؛
• ارتفاع نسبة قروض الاستهلاك بالنسبة للمواطنين وهو ما غيب ادخار الاسر والأشخاص، الشيء التي أثر على مدخرات البنوك وساهم في غياب الاستثمار؛

عوامل جهوية: تضييق الخناق على المعابر الحدودية من اسبانيا والجزائر.

وبفضل العناية الملكية المولوية لصاحب الجلالة نصره الله، بلغ حجم الاستثمارات العمومية بجهة الشرق من سنة 2003 إلى 2018، لحوالي 100 مليار درهم موزعة كالآتي:
• 60 مليار درهم في مجال البنيات التحتية من طرق ومواصلات وماء وكهرباء وسكن وتأهيل حضري وحماية من الفياضانات…. ؛
• 30 مليار درهم خاصة بالقطاعات المنتجة كالفلاحة والصناعة والسياحة والتجارة والخدمات والصناعة التقليدية… ؛
• 10مليار درهم في المجالات الاجتماعية كالصحة والتعليم والتكوين والثقافة والرياض…. ؛

استثمارات مكنت الجهة من تطوير ناتجها الداخلي الخام الذي انتقل من 26,2 مليار درهم سنة 2003 إلى 48,9 مليار درهم سنة 2016. إلا أنه رغم كل ذلك يبقى الناتج الداخلي بجهة الشرق هو الأضعف بالمغرب، وهو ما يقوض حضور الجهة وطنيا ولا يتناسب مع حاجياتها خاصة في مجال تشغيل الشباب وتلبية الحاجيات الاجتماعية لكل الأقاليم. خاصة وان جهة الشرق تسجل اعلى معدلات البطالة وطنية.

وفي الوقت الذي ساهمت فيه فعاليات جهة الشرق باختلاف مشاربها ومواقعها في كل المبادرات الحكومية والقطاعية: كلقاء الوفد الحكومي الذي زار الجهة، وفي المنتدى الجهوي للتجارة بوجدة وبمراكش وفي المناظرة الوطنية للجبايات وعبروا عن مطالب الجهة الملحة في بديل اقتصادي واستثمارات منتجة لفرص الشغل ونظام جبائي محفز ولما لا تفضيلي تعيشه الشرق من أزمة خانقة، الا ان الحكومة لم تنصت لمعاناة ساكنة الشرق بمقاوليها وتجارها وهوما نستخلصه من قراءتنا لقانون المالية لسنة 2020.

إن الميزانيات المرصودة لكل جهة وخاصة لجهة الشرق التي تعاني من أعلى معدل بطالة على الصعيد الوطني ومن ضعف الاستثمارات العمومية وغياب استثمارات خاصة تحرك عجلة الاقتصاد الجهوي، تؤكد أن قانون المالية لسنة 2020 هو استمرار للقوانين السابقة ولم يراعي حاجيات الجهة التنموية لمحاربة فعلية وحقيقية لإشكالياتها التي يبدو أنها ستصبح هيكلية.
فبالنسبة لجهة الشرق يتوقع مشروع قانون المالية حجم استثمار عمومي يبلغ ما إجماله 1673,83 مليون درهم موزعة حسب القطاعات كما يلي:

فمشروع المالية لم يقدم من خلال توزيع الاستثمارات تصورا تنمويا واضحا ورؤية استشرافية للنهوض بأوضاع جهة الشرق والأرقام المتضمنة فيه في مجال الاستثمارات العمومية هي ميزانيات لمشاريع قطاعية مبرمجة سلفا وكان من المفترض ان يقدم قانون المالية لسنة 2020 لجهة الشرق نفس تنموي وبديل اقتصادي جديد من خلال تمويل مشاريع مبدعة تمكن من اخراج الجهة من عزلتها الاقتصادية وان توفر الامل للمستثمرين الخواص.

وفي الوقت الذي تطالب فيه كل الأطراف الحكومة المغربية للتدخل العاجل لتوفير بديل اقتصادي من خلال الاستثمارات العمومية لتحريك عجلة الاقتصاد المتوقفة وحماية المستثمرين الحالين واستقطاب مستثمرين أجانب نلاحظ ظاهرة هجرة رؤوس الأموال الى جهات أخرى من المغرب بعدما بادر مستثمرون من أبناء الجهة للاستثمار خارج الجهة وهو بالتأكيد حق مشروع وعقلانية استثمارية لان المستثمر يبحث عن فرص الاستثمار الإيجابية Les opportunités d’investissements ويبحث عن مناطق الربح باستغلال نظرية الميزة النسبية les avantages comparatifs بين المجالات الترابية كما صاغها الاقتصادي دافيد ريكاردو.

 

إن هجرة المستثمرين من أبناء الجهة تستحق الدراسة والتأمل ليس عتابا لهؤلاء المستثمرين، لأنه مصطلح مستثمر خاص مرتبط بالربح أصلا، ومن حقهم ضمان مردودية لرأسمالهم المادي ونجاحهم خارج الجهة حافز معنوي كبير لأصحاب رؤوس الأموال بالجهة؛ ولكن إثارة هذا الموضوع أساسية من باب معرفة الأسباب لتجنب المسببات واستخلاص الدروس والعبر لان جهة الشرق تحتاج فعلا للمستثمرين وان خلاص أزمتها رهين بالاستثمار العمومي والخصوص وما أحوجنا اليوم لأبناء الجهة من مقاولين سواء وجدوا داخل الوطن أو خارجه. فماذا توفره الجهات الأخرى وغير متاح اليوم بجهة الشرق التي يبدل مسؤولوها سلطات محلية ومنتخبي الجهة مجهودات كبيرة لتحفيز المستثمرين ومنحهم امتيازات عقارية ومادية عن كل فرصة شغل يوفرها المستثمر؟

للأسف الهجرة بجهة الشرق لم تعد حكرا على الشباب الباحث عن فرص الشغل بل تحولت لهجرة نوعية للمستثمرين من أبناء الجهة وعلى الحكومة ان تراعي هذه المسالة وأن تنتبه لها وأن توفر بالجهة بديلا اقتصاديا ونظاما جبائيا تفضيليا واستثمارات كبرى رافعة وداعمة للاستثمارات الخاصة لتحسين مؤشرات الجهة الاقتصادية منها والاجتماعية وامتصاص بطالة الشباب وإرساء الثقة للمستثمرين من أبناء الجهة ومن خارجها. وما توجيه خطابنا للحكومة المغربية الا ايمانا منا الراسخ ان حجم الازمة التي تعاني منها جهة الشرق تفوق قدرة الفاعل الجهوي وان التدخلات الكفيلة بإخراج جهة الشرق من وضعها رهينة بتدخلات سياسية ارادية للحكومة المغربية المسؤولة على توفير العدالة المجالية والاجتماعية بين جهات المغرب ولها من الاليات والامكانيات لتحقيق ذلك.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)