حرق العلم الوطني.. محمد رويشة وأمين معلوف!

 

تفاعلا مع مواقف الرفض التي عبّر عنها المغاربة عقب حادث حرق العلم الوطني، وفي سياق أزمة الانتماء في العالم، تطرح قضية الهوية كأولوية من أجل الفهم والتشخيص، ولعل ما يزكي هذا النزوح نحو خلخلة سؤال الهوية والانتماء هو خطاب الهيمنة والتفوق الذي تتداوله بعض الهيئات والنخب ـ المتعصبة ـ والتي ترى في الانتماء الثقافي والحضاري مدخلا لتأكيد حضورها وتفوقها المادي والرمزي داخل النسق المجتمعي العام، في غياب تام لأطروحة التعايش، ولفلسفة الوجود المشترك.

واعتبارا لهذا الصراع، تتبلور مجموعة من الأسئلة تسعى إلى تفكيك الثابت والمتغير في معطى الهوية، وتعيد إلى واجهة النقاش عنف الإيديولوجيات والرموز وباقي أشكال الانتماءات الأخرى التي تؤثث النسق الاجتماعي. فما القراءات التي تسعفنا في تحليل هذه المسألة؟

في مستهل هذا التحليل، أرى أنه من الواجب تقديم شهادتين أثرتا كثيرا في منهجية تناولي لهذا الموضوع؛ جاءت الشهادة الأولى على لسان الفنان الأمازيغي الراحل محمد رويشة، وذلك في حوار فجائي جمعني به قبل أزيد من 6 سنوات بمدينته المحبوبة خنيفرة. بينما ترتبط الشهادة الثانية بما ذكره المؤلف والروائي اللبناني أمين معلوف في مؤلفه الصادر سنة 1999″ الهويات القاتلة ــ قراءات في الانتماء والعولمة “.

الاقتراب من الراحل محمد رويشة يجعلك تكتشف الإنسان الهادئ، تستنج المخفي في إنسان مثقف وتقدمي، يتكلم العربية الفصحى بطلاقة، محب للحوار، ينصت بأدب كما كان قيد حياته ينصت لرنات وتره.

هكذا انكشف إلي الفنان الراحل ارويشة؛ فعلى الرغم من شهرته التي فاقت الحدود، ظل وفيا لوطنه ولمدينته، وهو ما تأكد من خلال الحديث الذي دار بيننا؛ فعندما قدمت نفسي للراحل على أساس انتمائي المكاني، قاطعني بأدب واحترام مبينا أن المشترك الذي يجمعنا أكثر من الرموز والخصوصيات التي تفرقنا، وقد بين الراحل هذا المشترك الثابت ــ بعدما لمس فيَ عدم استيعابي لمضمون فكرته ــ في أن الوطن هو ما يوحدنا جميعا؛ إنه بمثابة الأم التي يتسع حضنها لجميع أبنائها، وبصيغة تلخص ما سبق، قال رحمه الله باللفظ الدارج” احنا اولاد وطن واحد”.

مضت 7 سنوات على هذا اللقاء، وبعد هذا التاريخ بشهور قليلة غادرنا رويشة إلى دار البقاء، لكن واقعية خطابه، جعلني أتأمل باستمرار هذا الهم الهوياتي الذي لازم الراحل، والذي أحيا به من جديد مشروع التعايش في ظل تعدد الأنساق والرموز، وفي ظل اضمحلال أطروحة التوادد والتضامن التي حطمتها قوى التعصب الملتحفة برداءات مختلفة.
وزيادة في الإيضاح، ينكشف المعطى المركب لمسألة الهوية، من خلال المضمون الذي يختزله مؤلف الروائي اللبناني، أمين معلوف؛ ففي مقدمة كتابه” الهويات القاتلة”، يعرض معلوف عناصر هويته التي تشكل الثابت في عملية تطابقه مع ذاته، وهي عناصر ساهمت في تبلور سؤال عميق صاحَب المؤلف سنوات عدة، واصطدم به في حله وترحاله؛ إنه سؤال”ما هوية معلوف الأصلية؟”.
لقد غادر أمين معلوف لبنان سنة 1976 ليستقر في فرنسا، وقبل ذلك عاش في بلده سبعة وعشرين عاما من عمره؛ فعرف أفراح طفولته فيها، ولعب في أريافها وتلذذ بقصصها التي كان يرويها أهل قريته، وأتقن لغته الأم “العربية”، لكنه من جهة أخرى يعيش على أرض فرنسا ويشرب ماءها ونبيذها ويكتب أعماله بلغتها، فهل يمكن وصفه بأنه نصف لبناني ونصف فرنسي؟ أبدا، فالهوية لا تتجزأ، ولا تقبل الانشطار، لذلك فهو لا يملك هويات بل هوية واحدة يعبر عنها ” أنا هما معا؛ لبناني وفرنسي”.

إن التأمل في النموذجين يعكس حاجتنا لسياق صحيح في الفهم والاستيعاب، سياق يتجاوز المنطق الإقصائي، والتجزيئي، الذي يصر بعض المتعصبين على تكريسه داخل الحقل الاجتماعي، ورحم الله ارويشة الذي قال في إحدى روائعه:” الله اجمع المومنين صليو على النبي كاملين”.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)