معركة باحثين مغاربة ضد الجينات المسببة لسرطان الثدي

في الوقت الذي يطلق فيه العديد من المستشفيات الحكومية والخاصة، وحتى الجمعيات بالمغرب، حملات للكشف المبكر عن سرطان الثدي، تزامنا مع إحياء العالم لشهر التوعية بسرطان الثدي الذي يصادف شهر أكتوبر/تشرين الأول من كل عام، يخوض باحثون في مختبر علم الوراثة والبيوتكنولوجية، بجامعة محمد الأول بوجدة شرق المغرب، معركة البحث العلمي مع هذا المرض، وبالخصوص سرطان الثدي الوراثي، الناجم عن اختلالات بالجينات.

يعكف رئيس المختبر نور الدين بوخاتم، وزميلته رحمة مالكي، وباحثون آخرون على وضع اللمسات الأخيرة، على دراسة علمية جديدة، هي الأولى من نوعها في المغرب، من حيث عدد النساء المستهدفات، لتحديد نوعية الجينات المختلة التي يمكن أن تكون سببا في تكون سرطان الثدي الوراثي.

من النتائج التي توصلت إليها الدراسة غير المنشورة، أن أنواعا من الاختلالات الجينية بعينها موجودة في هذه المنطقة بشكل كبير، وهو ما يعني قابلية أكبر لدى النساء الحاملات لذلك، للإصابة بسرطان الثدي.

المغرب وسرطان الثدي
تشير توقعات منظمة الصحة العالمية، إلى أنه سيكون هناك ما يقارب 22 مليون حالة إصابة جديدة بالسرطان كل عام خلال العشرية المقبلة، ومع تسجيل تدن في العمر الذي ستشخص فيه أغلب الحالات.

إذا كان هذا هو الوضع على المستوى العالمي، فإن المغرب ليس في منأى عن هذا الاتجاه التصاعدي في عدد الإصابات.

وكشف الباحث بوخاتم، أن معدل الإصابات بجميع أنواع السرطان بالمغرب في ارتفاع، ويبلغ 115 في كل مئة ألف نسمة، و35% من الإصابات في صفوف النساء، هي إصابات بسرطان الثدي.

ويرجع المنحى التصاعدي، إلى تغير نمط العيش وتعميم مراكز التشخيص وتأخر الزواج بالنسبة للنساء ما يعني تأخر الإنجاب والإرضاع، فإن ما بين 5% إلى 10% من مجموع أمراض سرطان الثدي لدى النساء وراثية، وفق الجمعية المغربية للأنكولوجيا الوراثية.


الباحثة في علم الوراثة رحمة مالكي في مختبر علم الوراثة والبيوتكنولوجيا بجامعة محمد الأول في مدينة وجدة بالمغرب (الجزيرة)
الباحثة في علم الوراثة رحمة مالكي في مختبر علم الوراثة والبيوتكنولوجيا بجامعة محمد الأول في مدينة وجدة بالمغرب (الجزيرة)

 الانتقال بالوراثة
لعل السؤال الذي يطرح نفسه خلال استحضار هذه المعطيات، هو كيف يمكن للسرطان بشكل عام وبصفة خاصة سرطان الثدي، أن يكون وراثيا؟

هناك رأي علمي غالب في مجال البحث الجيني، يؤكد أن الاختلالات الجينية لا يمكن كشفها إلا بواسطة التحليل الجيني، على اعتبار أن هذه الاختلالات لا تنجم عنها أعراض واضحة، يمكن كشفها على سبيل المثال بالفحوص التقليدية المتعارف عليها.

وفي حالات السرطان الوراثي، يؤكد الباحثون أن هناك مجموعة من الجينات تكون قد تعرضت للتلف مما يتسبب في قابلية أكبر للإصابة بالسرطان عند الأشخاص الذين يحملون مثل هذه الجينات أكثر من غيرهم، كما أنهم يصابون بالسرطان في سن مبكرة عن غيرهم.

ولكن قبل التحليل الجيني هناك مؤشر بالنسبة لأطباء الأنكولوجيا الوراثية، يشكل عاملا مهما في تكوين قناعة طبية، باحتمال وجود هذه الاختلالات المهيئة لتكون المرض، وهي بالتحديد الإصابات المتعددة في صفوف أفراد العائلة الواحدة، والإصابات المبكرة.


نور الدين بوخاتم رئيس مختبر علم الوراثة والبيوتكنولوجيا بجامعة محمد الأول في وجدة بالمغرب (الجزيرة)
نور الدين بوخاتم رئيس مختبر علم الوراثة والبيوتكنولوجيا بجامعة محمد الأول في وجدة بالمغرب (الجزيرة)

تكلفة التحليل الجيني
حسب الجمعية المغربية للأنكلوجيا الوراثية، فإن الأشخاص الذين يحملون مثل هذه الجينات يجب أن يُعرفوا لكي يستفيدوا من تتبع خاص، يمكّن من تشخيص الإصابات في وقت مبكر، مما يضمن نسبا عالية من الشفاء.

كما أن عائلات الحاملين لهذه الجينات يجب أن تستفيد من التشخيص الجيني، وفي حال ثبوت حملهم هم أيضا لتلك الجينات يتم تتبعهم عن كثب، مما يمكن تفاديهم للإصابة أو في حالة الإصابة يكون الكشف مبكرا ويكون العلاج مناسبا لهذه الأنواع من السرطانات.

ويؤكد في هذا الإطار الدكتور بوخاتم، أن التحليل الجيني يكلف ما بين 1500 وألفي يورو (حوالي 20 ألف درهم مغربية)، هذا بالنسبة للمريض الأول في العائلة الذي يخضع لهذا الفحص، على أساس أن نتيجة الفحص ستكون فيما بعد عاملا مخفضا لتكلفة الفحص لبقية أفراد العائلة الذين يمكنهم الخضوع للتحليل نفسه.

لكن من خلال التقصي والبحث في منظومة التأمين الصحي على المرض، يتضح أن سلة العلاجات في المغرب، لا تشمل تغطية تكاليف هذا التحليل، بل أكثر من ذلك لا توجد مختبرات علمية معتمدة في المغرب لإنجازه، ويتم اللجوء دائما إلى مختبرات أجنبية وتحديدا في فرنسا.

في السياق نفسه، ورغم تأكيده أن نسبة النساء اللائي يكون سرطان الثدي لديهن بسبب الوراثة، لا تتجاوز 10%، فإن مصطفى الإبراهيمي، جراح سرطان الثدي، ونائب رئيس لجنة القطاعات الاجتماعية بمجلس النواب المغربي، يرى أن تكلفة التحليل الجيني بالنسبة لجميع النساء مكلفة.

وأكد في تصريح للجزيرة نت، أن سلة التكفل بالعلاجات محددة في المغرب في حوالي 43 مرضا مزمنا، وأن الصناديق المسؤولة اليوم عن التغطية الصحية في ظل العجز والأزمة التي تعاني منها، ليس لديها أي استعداد لتوسيع هذه السلة.

ويلفت الجراح المغربي الانتباه إلى أن الأمر في الحقيقة يتجاوز التحليل الجيني، إذ إن الدول التي تعتمد التحليل الجيني، لا تتوقف في مواجهتها للسرطانات التي يكون أصلها وراثيا، عند هذا الحد، وإنما تستنفد جميع مراحل التكفل، بما فيها التدخلات الطبية الأساسية بعد التحليل الجيني، وهو ما يعني أن الأمر يحتاج إلى منظومة متكاملة.

المصدر : الجزيرة

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)