هاجر التي في الحكاية

لبعض الوقت، ستصيرين قضيتنا الأهم لبعض الوقت فقط، البعض الكافي منه لتحل علينا لعنة ذاكرة العوام التي حصرها المؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي في ثلاثة أيام.. وحتى حينه سننتحب كثيرا ونولول، سنكتب كثيرا أيضا ونتحدث عنك ونقاتل لإثبات زاوية فهمنا لقضيتك، سنتعارك مع من يصدق إدانتك وقد نخسر بعض الأصدقاء الذين لا يشاركوننا نصرتك في المعارك الكلامية. سيصبح اسمك متداولا ومألوفا جدا لدرجة أننا سنكتفي بشقه الشخصي فقط كأننا نتحدث عن ابنة أو صديقة مقربة، على اتساع انتشاره سيصبح هذا الاسم خلال ثلاثة أيام وكأنه اسم وُجد لك وحدك، ويشير لك حصرا كأنه إصبع إدانة جديدة أضفناها لك دون وعي.

 

هذا التقديم السيئ الذي يصورنا كأوغاد حقيقيين صحيح لكنه ليس واقعيا تماما، يقولون لنا أن فعل المقاومة يظهر في ممارسة الحياة والفرح بها وبتفاصيلها وسط كل هذه الفوضى والقهر والتصفيات الجبانة، ولنصدقك القول فنحن لا نعود لتفاصيل حياتنا تحقيقا لهذا المبدأ بل لأن سطوتها أقوى، فما تفتأ ترغمنا على التعود على الأوضاع الجديدة مهما بلغت من السوء. خاضعون تماما نحن لإعادة التشكيل لهذا نبحث طوال الوقت عن المبررات، فنحن شعب يشترط تسمية الشيء ليستمرئ أكله.

 

جميعنا يدعي التضامن وقد نقصده فعلا لكن هذا لا يمنع أن أعظمنا يتبناه لأنه غير مكلف ورافع للحرج، جميع المتضامنين يعتقدون أنهم أدوا ما عليهم وفق منطق المغاربة في ’’تحياد اللومة‘‘ لا شيء سوى التحرر الكاذب من نهش السؤال والهروب من الواجب الحقيقي، نحن المتضامنون لو خيرنا لرفضنا قطعا قضاء ليلة عنك حيث أنت.

 

أيتها الأيقونة الجديدة، أيا بطلة الذاكرة الموقوتة على ثلاثة أيام، أنا لا أعرفك فلا أملك بالتالي مشاعر خاصة تجاهك، لهذا ينحصر تفاعلي مع قضيتك داخل إطار التخندق الواجب في هذه الحرب القذرة التي تحصد الرؤوس المسنونة باستهدافها رأسا أو بإرهابها وانتزاع أظافرها.. نعم لا أعرفك لكني أستطيع تماما أن أرى الهوة السحيقة التي لا تنتهي فتستقر بك أخيرا مانحة إياك وقتا للاستيعاب وبدء معالجة الجراح.. أستطيع أن أتخيل هذه الفأس الخبيثة على رأس عروس تعد لزفافها بعد أسبوعين حيث من المفترض أنها تدخل العد التنازلي الذي ترفض معه حدوث أي مفاجآت.. نحن اللواتي قد نصاب بالهلع إذا ظهرت بنا بثور صغيرة قبل موعد مهم، داخل هذه التفاصيل التي تسكن زاوية مهمة من رؤوسنا أجدني أعرفك وأظل أتساءل من أين لك الصمود؟ مهما بدت ملامحك ثابتة أستطيع أن أسمع نحيب قلبك في كل الصور، وهم القوة الذي حاصرونا داخله لا يعلمون كيف نؤدي ثمنه إذا خلونا بعالمنا المتساقط.. أعرف تماما هذه التفاصيل لهذا تستفزني كل تلك السرديات عن الصمود الأسطوري والمعنويات المرتفعة.

 

هكذا إذا وببطء مؤلم ستنقضي الفورة، وعندما يطالك منا النسيان سيصيبنا منك الخوف، لأن أسوأ ما في الأمر هو قابليته للتعميم، وهو ما يتركه في النفس من السوء ونحن نستسلم للاجدوى ونكتفي آسفين ’’بجنب الحيط‘‘.

 

وستبقين أهاجر كما هاجر في الحكاية التي روتها لنا الجدات صغارا تسعى يائسة باحثة عن إنصاف في بلد غير ذي عدل عسى أن تنفجر لها الينابيع التي لا تجف بعدها أبدا، وسنظل نحكي كما سمعنا عن بطولتها دون أن نحاول مرة استطلاع حقيقة شعورها وهي تنثر تراب اليأس وترقب من التلة منقذا. هذه الملحمة تهمنا في جماليتها ولا يهمنا في المقابل ما عاناه أبطالها وما كان بإمكاننا توفيره عليكم، إذ أننا كأبينا إبراهيم بلغنا من اليأس عتيا، غير أن ما يطفئ بعضا من نارنا يقيننا أن كل الأحداث كانت تمضي تحت عين الله البصيرة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 1 )
  1. عبد الوهاب :

    أختي فاطمة الزهراء بغض النظر عن محتوى مقالك أنا أعجبت بأسلوبك المبهر في الكتابة، أريد منك نصيحة لاكتساب مهارة الكتابة جزاكِ الله خيرا

    0

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)