بوشكور يكتب: تمرين التعديل الحكومي وراهنية الأوراش المفتوحة

 

لا شك أن رئيس الحكومة منكب على المشاورات مع أحزاب الأغلبية بهدف إخراج التعديل الحكومي حيز الوجود قبل بداية الموسم السياسي، أي قبل الجمعة الثاني من شهر أكتوبر المقبل. وهو التعديل الذي ينتظره الشارع المغربي بكل مكوناته باعتباره الأهم من بين التعديلات السابقة وذلك لمجموعة من الاعتباراتو خاصة لكونه:

1- جاء بطلب من الملك نصره الله في خطاب موجه للأمة حث من خلاله رئيس الحكومة لتقديم كفاءات في المناصب الحكومية والمؤسسات العمومية. و في الطلب مجموعة من الدلالات كون الحكومة الحالية بتركيبتها الوزارية وبأحزابها الستة تحتاج لمراجعة لتدبير المرحلة المقبلة؛

2- مطلب على هامش بلورة نموذج تنموي وطني جديد وتشكيل لجنة ملكية تساهم في بلورته وهو ما يجعلنا نستنتج أهمية التعديل الحكومي في هذا التوقيت لان حكومة الكفاءات المستقبلية تبقى من أولويات إنجاح النموذج التنموي والكفيلة ببلورة المخططات القطاعية التي دعا جلالته لتغييرها ووضعها من جديد؛

3- حتمية لهيكلة وزارية جديدة بأقطاب واضحة وبعدد محدد يسرع ويسهل ميثاق اللاتمركز الإداري؛

4- أولوية لتطعيم المؤسسات العمومية جهويا بالكفاءات الجديدة اللازمة لإعطاء نفس فكري وتدخل إبداعي لانجاح ورش الجهوية الموسعة؛

إن أهميةالتعديل الحكومي تكمن في ارتباطه بمجموعة الأوراش السابقة الذكر لان المغرب اليوم يحتاج لجرعة جديدة من الأوكسجين تجري في عروق الإدارات والمؤسسات العمومية والوزارات لانجاح الاوراش التي نادى بها جلالة الملك نصره الله لتحقيق العدالتين الاجتماعية والمجالية من خلال تبني نموذج تنموي جديد يمكن من ولوج المواطن المغربي للصحة والتعليم والشغل المستدام ، وما الحصيلة اليوم الا دليل عن عجز الحكومات والأحزاب المشكلة لها في تحقيق التنمية المستدامة للمغاربة.

إن الأوراش المفتوحة اليوم، تحتاج لكفاءات بخبرة وحنكة تقطع مع تسيير الماضي . كفاءات ولاءها للبرنامج والمشروع خذمة للوطن وليس الولاء للحزب والمسؤول المباشر . كفاءات تقترح وتبتكر الحلول وتستشرف المستقبل وليس كفاءات على رأس شبابيك مغلقة تنتظر التعليمات من المصالح المركزية وهوايتها اللإرلضية تضييع وهدر الزمن وهو ما ساهم نسبيا في تعقيد وضعية المقاولات المتضررة أصلا، وذلك بالرجوع لعلاقة المقاولة مع الإدارات والمؤسسات العمومية.

إن تقرير والي بنك المغرب الاخير المقدم لجلالة الملك نصره الله بتاريخ 29 يوليوز 2019 أكد أن ضعف النمو الاقتصادي ورتابة النسيج الاقتصادي هو حصيلة ضعف مساهمة القطاعات الغير الفلاحية التي لم يتعدى نموها 2,3% سنة 2017 ,مقارنة مع منجزاتها سنة 2000، وكذا بسبب انعدام الاستثمارات الخاصة المتأثرة بالقطاع الغير مهيكل والرشوة وتأخر الإدارات في تسديد متأخرات المقاولات. ما يستدعي اليوم تبني مناخ أعمال جديد لدعم المقاولة المغربية. و من هنا نتساءل هل بمقدور نفس المسيرين الحكوميين وبالمؤسسات إعداد وتبني مناخ أعمال جديد وهم من عوامل غيابه؟

إن التقرير الاخير لوالي بنك المغرب أكد تشخيصات جلالة الملك نصره الله التي قدمها في خطبه الأخيرة والتي وضع لها خارطة طريق جديدة لتجاوز معضلات التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولعل ابرزها تبني نموذج تنموي جديد لان السابق وبالرغم من المنجزات الإيجابية بلغ مداه.

إن النموذج التنموي الجديد من أولوياته اليوم، من وجهة نظرناإعادة الثقة:

1- للمواطن وخاصة للطبقة الوسطى التي كانت موضوع خطاب ثورة الملك والشعب الاخير. وهنا يجب ان يجيب النموذج التنموي عن سبل دعم هذه الطبقة المتوسطة بتدخلات مباشرة بدعمها دخلها عن طريق تخفيض الضرائب على الدخل( IR ) وبطرق دعم القدرة الشرائية عن طريق تقليص نفقات التمدرس والتطبيب والتنقل وووو؛ كما هو مطالب بتحقيق الكرامة للمواطن المغربي أيننا حل وارتحل لضمان مبدأ العدالة وتكافؤ الفرص

2- للمقاولات والمستثمرين بالجهات دون تمييز رغم ضرورة التمييز الإيجابي بين المجالات الترابية discrimination positive بوضع بطارية امتيازات عقارية وجبائية خاصة بكل جهة مع مراعات مبدأ التخصص الترابي. و هذا الأمر يحتاج كذلك لوضع مناخ أعمال محفز للمقاولات لخلق فرص شغل مستدامة ولهذا حث الخطاب الملكي السامي على أهمية الكفاءات القادرة على طب صفحة التسيير الاداري الكلاسيكي.

3- للمجالات الترابية وخاصة القروية لأهميتها وثقلها الاجتماعي والاقتصادي. فالمجال القروي يشكل حوالي 98% من مجموع المساحة المجال الوطني ويستوطن حوالي 40% من المغاربة. فتكثيف التدخلات في المجال القروي لتدارك الخصاص في محال الصحة والتعليم والطرق سيمكن من تحسين مؤشرات التنمية البشرية ، بل سيخفف العبئ على المجالات الحضرية. من هذا المنطلق فالنموذج التنموي الجديد يجب أن يركز على التنمية الترابية بوضع استراتيجيات خاصة بالمجالات القروية تقطع مع ممارسات الماضي وتشتيت التدخلات ببن القطاعات. ونستحضر في هذا الإطار أهمية تأسيس وكالة للتنمية القروية عوض وزارة للتنمية القروية تربط التدخلات بالقطاع الفلاحي وتترك البنيات لمؤسسات تابعة لوزارات أخرى وهو ما غيب التنمية القروية في الأصل. هذا المعطى يجب استحضاره في التعديل الحكومي المرتقب لان الظرفية وحجم الرهانات التنموية أصبحت تفرض هيكلة حكومية جديدة تقطع مع ممارسات الماضي.

4- للمؤسسات مع اختلافها وهذا لنيتأتى إلا بضمان نجاعة تدخلات المؤسسات بسياسات استباقية تراعي مبدأ القرب لخذمة المواطن وليس مؤسسات تتدخل تخت الطلب أو بعد الحدث كتدخلات رحال المطافئ. على المؤسسات أن تتدخل بمخططات واضحة ومرنة Acteur proactif تستبق الاحدات وتتوقع المستقبل وتتدخل في الحاضر . ان إرجاع الثقة في المؤسسات من خلال النموذج الجديد لن يتأتى الا بوضع الرحل المناسب في المكان المناسب وهو ما ينتظر من التعديل الحكومي المقبل.

وبالإضافة لذلك، فالتعديل الحكومي مطالب بعدم الاقتصار على تغيير الوجوه بل التركيز على جوهر الأشياء بتغيير الهيكلة الحكومية وتقليص عدد الوزارات لضمان النجاعة والالتقائية من جهة ، وكذا لمصاحبة تنزيل ميثاق اللاتمركز الإداري وعدم تأجيل البث في الهيكلة لانتخابات 2021 . يجب أن يشكل التعديل الحكومي فرصة وتمرين لتجميع القطاعات جهويا في أقطاب كبرى وتوفير مخاطبين قارين حسب الاختصاص للسادة الولاة ورؤساء الجهات. هي مناسبة للقطع مع كثرة المتدخلين في نفس للاختصاصات والتعديل فرصة لذلك.

سوفيان بوشكور
دكتور في الاقتصاد الجهوي والتنمية الترابية

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)