المقاطعة

بعد تمرير القانون الاطار51.17 في مرحلته الأولى على مستوى لجنة التعليم والثقافة والاتصال بمجلس النواب، توعد الكثيرون برَد الامتناع الذي صدر عن أغلبية المصوتين داخل اللجنة بامتناع اخر عن المشاركة في الانتخابات القادمة، وبغض النظر عن مدى فعالية هذا ’’الرد‘‘ وبدون اكتراث للأصوات التي تشرح أن الامتناع لا يغير شيئا في أصول اللعبة، وأن الأولى المشاركة ومنح الصوت لبديل نزيه وجاد أو حتى المشاركة بصوت باطل، بغض النظر عن هذه الأمور جميعا فإن الامتناع في هذه الحالة لا يتغيى تغيير شيء من أصله، فهو لا يعدو أن يكون تعبيرا عن الغضب والخنق وفقد الثقة.

ومرجع هذا الحديث هو الربط الذي يتم بين المقاطعة والأرقام التي تغطي نسب المشاركة، والتذكير القديم الجديد بقاعدة أنه كلما ارتفع عدد المصوتين ممن يحق لهم ذلك عبر الأمر عن نوع من النضج السياسي والوعي الذي يخلق اهتماما بشؤون التدبير العام وسن القوانين والسياسات المختلفة، وهذا صحيح عموما لكن نسبة المشاركة التي تعبر كذلك عن حجم الثقة في المسار الانتخابي وكذا في التمثيليات السياسية وبرامجها وبالتالي تمنح شرعية للعملية السياسية برمتها لا يلقى لها بال في وطننا حيث يمكن ببساطة ان تصعد حكومة فازت في انتخابات شارك فيها أقل 30 فالمائة من الذين يحق لهم المشاركة، نصف أصواتهم باطلة، دون محاولة الالتفات لأصل المشكل الذي يفرز هذه النسب الضئيلة وإيثار النقاش حوله ومحاولة علاجه.

وبين التوعد والانتظار، وفي غياب بدائل للاحتجاج والتعبير عن عمق الهوة التي يعيشها المواطن اليوم في علاقته بالحكومة والأحزاب ورجال السياسة، وموقف السلطة والصورة التي تريدها للمشهد، لا يمكن حقا التنبؤ بمآلات انتخابات 2021.. لا ملامح حقيقية لنوع التشكيلة العجيبة التي ستتولى إضعاف مكامن قوة هذا البلد وهدر مقدراته وتأزيم واقع مواطنيه لسنوات مقبلة، ذلك أن الحال وكما جرت العادة يقتضي ظهور تحالفات ما قبل الانتخابات وما بعد إعلان النتائج والتي لا تخضع لأي منطق ولا تطابق أي تأويل سابق، مما يصير معه التخندق مع مشروع سياسي ضد مشروع آخر مجرد هراء.
لهذا ربما لن يجد الغاضب والمستنكر لهذا العبث السياسي سوى مقاطعة الانتخابات تعبيرا عن موقفه، وهو أمر متاح وغير ذي بال مادام محصورا على فئات بعينها، لكن إذا نجحت دعاوي المقاطعة السياسية واكتسحت كما حدث قبل عام مع المقاطعة الاقتصادية فحينها سنتحدث عن أمر آخر ربما استدعى تدخلا مختلفا غير الإهمال وعدم الاكتراث.

على أننا نتمنى هذه المرة وفي معرض الردود على المقاطعة ومحاولات التأثير على المقاطعين أن تبتعد عن التخوين والاستغباء، والأهم أن تتجاوز المنطق القائل بأن ليس من حق المقاطعين انتقاد طريقة تدبير الشأن العام لاحقا لأنه منطق اقصائي غبي، فالمقاطعة عن موقف لا عن كسل هي في الحقيقة دليل على مدى اهتمام المقاطع بالشأن العام ومدى حرصه عليه، حتى إذا لم يجد من يستحق ثقته أو أيقن باستحالة مرور استحقاقات بريئة من يد السلطة فضل مقاطعة مسرحية إضفاء الشرعية على المهازل. ففي النهاية الرئيس الذي ينجح بنسبة أصوات معينة هو بعد التنصيب رئيس لجميع المواطنين سواء منهم من صوت لصالحه أو لغريمه أو بصوت لاغِ أو قاطَع.

ومهما بلغ تفسير الظاهرة وتبرير اللجوء إليها سيظهر دائما أولئك الذين ينكرون على المقاطعين موقفهم، معتقدين أنه من اليسير عليهم إعادة انتخاب من خذلهم طوال سنوات توليه المسؤولية، ومنحه فترة إقامة أخرى على هرم مناصب لا يحقق فيها سوى رقيه الشخصي وحلول مشاكله.

وإذا كانت المقاطعة لن تنهى المشاكل أو تبتكر الحلول -وهذا ليس مطلوبا من المقاطعين وليست مهمتهم أساسا- فإن المشاركة في المقابل لا تزيد على أن تكرر الادعاء المرفوض بأن ’’العام زين‘‘.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)