العدالة الجبائية رافعة للعدالة المجالية من منظور سياسة إعداد التراب

تنظم وزارة الاقتصاد والمالية؛ بمدينة الصخيرات، المناظرة الوطنية الثالثة حول الجبايات اليوم 3 و غدا 4 ماي 2019 تحت شعار « العدالة الجبائية”، و الكل ينتظر مخرجاتها خاصة وأن المغرب اختار خيار الجهوية المتقدمة.

فهل ستنكب المناظرة على مناقشة الجبايات المحلية وتكييفها مع واقع الجهوية ومستلزماتها؟ أم سيقتصر النقاش على العموميات و إصلاحات ضريبية الهدف منها توسيع الوعاء الضريبي؟ أم سينكب المتدخلون على طرح بديل جبائي مواكب للنموذج التنموي الجديد الذي طالب به جلالة الملك نصره الله؟

الأكيد أن المغرب اختار خيار الجهوية وأي نموذج تنموي سيتم تنزيله مستقبلا يجب أن يراعي الخصوصيات والاكراهات الجهوية، وعليه فإن النظام الجبائي المغربي يحتاج لتعديل جوهري ليساهم في تحقيق العدالة المجالية في ظل النموذج التنموي الجهوي.

لا يخفى على أحد أن جل مداخيل الجهات والجماعات الترابية من الضرائب وهي التي تؤثت لميزانيات الجماعات سواء بالنسبة لميزانية الاستثمار او التسيير وعليه فضعف النسيج الاقتصادي بجهة ما لا يمكن الأخيرة من عائدات كبيرة من الضرائب ومن تم، من المداخيل ويبقى الإشكال مطروحا في مجال التهيئة والتنمية وحتى من وجهة إعداد التراب. فكيف لجهة فقيرة بعائدات ضعيفة أن تستجيب لمطالب ساكنتها المتزايدة من طرقات ومستشفيات وتنمية قروية وتاهيل حضري … الخ؟

من هنا تكتسي المناظرة أهميتها في طرح نظم جبائية جهوية وفق مبدأ العدالة الجبائية الهادفة لدعم العدالة المجالية، ويبقى الاختيار أساسي بين العدالة الجبائية الأفقية أو العمودية.فالأولى ترتكز على مبدأ العدالة أمام الضريبة لجميع الأفراد ذوي الحقوق المتساوية؛ أما الثانية فرتكز على مبدأ معاملة الأفراد ذوي الظروف الاقتصادية المختلفة معاملة ضريبية مختلفة ومن له وضعية أفضل يدفع أكثر وبهذه الطريقة تعتبر العدالة الضريبية او الحبائية جزء من العدالة الاجتماعية وآلية لتوزيع الثروة.

وبين هذا الاختيار وذاك يبقى الرهان على وضع نظام ضريبي محفز للنمو الاقتصادي ورافعة للتنمية الاقتصادية. فما دام المغرب اختار الجهوية المتقدمة كخيار استراتيجي فعلى النظام الجبائي أن يواكب الجهوية ويدعم التنمية الجهوية والترابية بنظام ضريبي مرن يضمن تنافسية الجهات، إذ لا يعقل اعتبار المجال المغربي كمجال متجانس.

كل المؤشرات الترابية توضح العكس، فالمغرب مغرب الجهات اليوم يتميز بتفاوتات مجالية كبرى ويكفي أن نذكر أن:
⁃ جهة الشرق تتفوق وطنيا في معدل البطالة ب 15,7% في حين المعدل الوطني يبلغ 9,4% (خريطة رقم 1)؛
⁃ جهة الشرق تسجل معدلات الخصاص في الخذمات الاجتماعية بنسبة 23,4% متفوقة على جهات اكثر انتاجا منها وغنى مثل فاس مكناس ب21,7% والرباط سلا القنطيرة (خريطة رقم 2).


⁃ اعتمادات الاستثمارات المرصودة لجهة الشرق برسم سنة 2018 تبلغ 281 مليون درهم (المصدر : أطلس خرائطي ومؤشرات مجالية عامة لمديرية إعداد التراب الوطني) محتلة المرتبة السابعة من بين 12 جهة. و هي قيمة لا يمكنها من تجاوز خصاصها في مجال البنيات التحتية الضرورية لمواكبة ميناء الناظور غرب المتوسط أو لإنجاز برنامج التنمية الجهوية.


⁃ جهة الشرق لم تعد لها هوية اقتصادية مقارنة مع جهات المغرب الاخرى (خريطة3) بسبب ضعف وعدم تميز مساهمة أي قطاع. فالقطاع الاول يساهم فقط ب 5,5% والقطاع الثانوي ب3,5% والثالث ب 4,9% وذلك حسب معطيات المندوبية السامية للتخطيط.

إن المؤشرات المجالية توضح بالملموس أهمية دعم الجهات الغير تنافسية كنموذج جهة الشرق الحدودية لضمان توزيع عادل للإنسان والأنشطة الاقتصادية وفق منظور إعداد التراب الوطني، وهو ما يستلزم وضع إطار جبائي ونظام ضريبي يضمن التنمية الجهوية ويحفز المستثمرين على توجيه استثماراتهم للجهات المستفيدة من امتيازات ضريبية لتخفيف الضغط على جهات الدار البيضاء سطات وطنجة تطوان الحسيمة والرباط سلا تمارة و توجيهها بطريقة عقلانية إلى جهات المغرب الاخرى لضمان التوازنات المجالية والعدالة الترابية.

ان مع ارتفاع تكاليف العقار وتزايد حاجيات المدن والقرى من التجهيزات والخدمات الأساسية، يعتبر النظام الجبائي رافعة لسياسة إعداد التراب خاصة بالنسبة للجماعات الترابية وللجهات بشكل محدد مادام إعداد التراب اصلح من الاختصاصات الذاتية لها.

لهذا مخرجات المناظرة الوطنية الثالثة للجبايات تكتسي طابع الأهمية نظرا لرهانات التنمية الجهوية وتحديات إعداد التراب لان الاخير لا يستقيم الا بوضع عدالة جباية عمودية تعترف بالخصوصيات المجالية لكل جهة وتضمن التوزيع العادل للاستثمارات على الجهات. نعم العدالة الجبائية لا تكفي لوحدها، بل تعتبر اليوم من أوليات التدخل ومن أسس الإقلاع الاقتصادي والتنموي للجهات.

سوفيان بوشكور/ دكتور في الاقتصاد والتنمية الترابية

مصدر الخرائط: أطلس خرائطي ومؤشرات مجاليةعامة لمديرية إعداد التراب الوطني.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)