السيدا وسط حاقني المخدرات بالناظور..معركة متعددة الجبهات

 

قبل نحو 15 سنة أكدت منظمة الصحة العالمية، أن تعاطي المخدرات عن طريق الحقن، يعد أحد الأنماط الرئيسية لانتقال عدوى فيروس نقص المناعة البشري المسبب للسيدا.

وفي المغرب وبالتحديد في إقليم الناظور، كانت نسب الإصابة بالسيدا وسط متعاطي المخدرات بالحقن وبالخصوص “الهيروين”، تبعث على القلق حقا، أكثر من أي منطقة أخرى في المغرب.

أشارت دراسة استقصائية أجرتها وزارة الصحة سنتي 2011 و 2012 بمدينتي طنجة والناظور، أن نسبة انتشار السيدا وسط المتعاطين للمخدرات عن طريق الحقن بالناظور بلغت 29,1٪.

وكانت النتائج صادمة أيضا بالنسبة لبعض الأمراض المستعصية، التي تتنقل عبر الحق ومشاركة وسائل الحقن، كما هو الشأن لالتهاب الكبد الوبائي سـ (C)، الذي بلغت نسبة الاصابة به وسط متعاطي المخدرات عبر الحقن بالناظور حينها (2011) 79,2٪.

وإذا كان السيدا، ينتقل عبر الممارسة الجنسية ومشاركة بعض الأدوات الشخصية، فإن التهاب الكبد الفيروسي سـ عكس التهاب الكبد الفيروسي ب (B)، ينتقل عبر مشاركة بعض الأدوات ضمنها أدوات الحقن في الدم، مع انخفاض إمكانية الانتقال عبر الممارسة الجنسية.

أرقام مفتاحية

سنة 2017، أجرت وزارة الصحة دراسة بيو سلوكية، وسط الأشخاص الذين يحقنون المخدرات في طنجة وتطوان والناظور.

كشفت أن الناظور لازالت تسجل أعلى نسبة إصابة بالسيدا وسط الأشخاص الذين يحقنون بالمخدرات، إذ بلغ معدل الانتشار (14٪)، تلتها تطوان (6٪) وطنجة (1.3٪).

و سجلت الدراسة انخفاضا سنويا متوسطا ​​في معدل انتشار فيروس نقص المناعة البشرية بنسبة 1.5٪ منذ 2011/2012.

الأشخاص المعنيون قاموا بحقن المخدرات لمدة تتراوح في المتوسط ​​من 10 إلى 13 عامًا والأغلبية يوميًا.

و يعتبر تعاطي الهيروين الأكثر شيوعًا، إلى جانب مشتقات الكوكايين والبنزوديازيبينات. و قالت نسبة كبيرة أنهم يشاركون الإبر والمحاقن وكذلك معدات الحقن الأخرى.

بداية المعركة

مرضى السيدا المتعاطين للمخدرات عبر الحقن، يواجهون في الحقيقة تحديات اضافية أكبر مما قد يواجه المرضى الأخرون.

حرب مع الذات لمواجهة الإدمان، وتلقي العلاج المناسب من أجل ذلك، وحرب أخرى وسط المجتمع للخروج من بوتقة التمييز والوصم.

الجمعية الوطنية للتقليص من مخاطر المخدرات فرع الناظور، من الجمعيات التي راكمت خبرة عملية في التعاطي مع هذه الفئة من مرضى السيدا.

منذ تأسيس الفرع عام 2009 بالناظور، من طرف عدد من نشطاء حقوق الإنسان والقطاع الصحي، بدأت معركة مواجهة السيدا وسط المتعاطين للمخدرات عبر الحقن.

وقال أنور التانوتي، منسق فرع الجمعية بالناظور، أن الدراسة البيو سلوكية التي أنجزت وبالخصوص في شقها الخاص بالناظور كانت بمثابة ناقوس الخطر.

وأضاف في تصريح لشمس بوست، أن المعطيات السالفة الذكر أبرزت أن المقاربات التي كانت تتم والمستمرة والمبنية على العقاب، لم تأتي بنتيجة وكان هناك بالضرورة حاجة إلى مقاربة حقوقية وعلمية، وهي مقاربة تقليص المخاطر، المعمول بها حاليا في الناظور.

أنور التانوتي
أنور التانوتي: منسق الجمعية الوطنية للتقليص من مخاطر المخدرات فرع الناظور

في مركز طب الادمان بالناظور الذي تنشط فيه الجمعية، يستقبل العشرات يوميا من المتعاطين للمخدرات عبر الحقن، المصابين بالسيدا و بالتهاب الكبد الفيروسي سـ.

توفر وزارة الصحة في المركز طاقما طبيا وتمريضيا للإشراف على التكفل الطبي بالمرضى، بينما تتكفل الجمعية بالشق الاجتماعي من العلاج وتقديم الحد الأدنى من الخدمات وضمنها توزيع عُدّة الحقن المعقمة، والبرامج العلاجية المناسبة بما فيه الميطادون لمتعاطي الهيروين.

وتشرف الجمعية بشكل مستمر على حملات للكشف عن السيدا والزهري (السفلس)، ومنذ انطلاق حملاتها تسجل الجمعية حالات مستمرة من السفيليس أيضا.

مركز طب الادمان بالناظور
مركز طب الادمان بالناظور

كابوس في كل مكان

خالد (اسم مستعار)، واحد من المتعاطين الذين اكتشفت إصابتهم بالسيدا قبل سنوات في الناظور.

حسب بعض معارفه الذين تحدثوا إلى شمس بوست، بعد اكتشاف إصابته بالسيدا، وكما هو الشأن لأي مصاب، وبعدما تجرع صدمة الإصابة انخرط في مسلسل للعلاج.

بعد جهد جهيد، تمكن خالد من بلوغ مرحلة تسمى بالحمولة السالبة للفيروس، وهي مرحلة يكون فيها المريض غير معد رغم حمله للفيروس المسبب للسيدا.

رغم ذلك، خالد الذي كان من المنتظر أن يتستأنف حياته الطبيعية، رفقة زوجته وابنه، إنقلبت حياته من جديد رأسا على عقب.

إذ أنه منذ الوهلة الأولى التي اكتشف فيها مرضه، نفرت منه زوجته وتركته وحيدا يعاني، ورغم تحقيق “الحمولة السالبة” ظل النفور قائما بسبب الوصم الذي لاحقه كونه يشكل خطرا على الأسرة.

خالد أصيب بانتكاسة كما العديد من المتعاطين الحاملين للفيروس، والانتكاسة هنا تعني العودة إلى نقطة الصفر.

لكن خالد اختار بعد ذلك إنهاء حياته، والإقدام على الانتحار، تاركا الحلم الذي طارده ورائه وسط حسرة من كان يتابع حالته.

ويقول التانوتي، أن الوصم الذي يلاحق المتعاطين للمخدرات عبر الحقن والحاملين للسيدا، يتجاوز المحيط القريب ويتعداه للمحيط الواسع في المجتمع، فهو دائما ينظر إليه على أنه ذلك الشخص “الشمكار” الذي لا يستحق أن يعامل مثل الأخرين.

مما بررت به وزارة الصحة تمديد الخطة الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإيدز (2017ـ2021) وهي الإطار الوطني للعمل على مكافحة الايدز والأداة الأساسية لتنسيق الاستجابة حتى عام 2023، “تسريع الاستجابة لمكافحة الفيروس وإنهاء الوباء بحلول عام 2030″، انسجاما مع أهداف التنمية المستدامة.

وأيضا الحد في أفق 2023 إلى الحد من الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية والوفيات المرتبطة بالإيدز بنسبة 50٪، ومكافحة التمييز ضد الأشخاص المصابين.

وفي الحقيقة الانتكاسة التي يمكن أن تحدث لدى المتعاطي، تستنزف من مجهود العاملين في المجال، الذين يدركون حجم المشقة التي يتكبدوها في سبيل انتشال هؤلاء من أتون الإدمان والمرض.

وهو ما يدفع التانوتي، إلى القول أن نشاطهم هذا يستنزف امكانياتهم بشكل مستمر “عام على خور وحنا كنقصو وكنذبالو ملي كتشوف واحد انت معاه ٥ سنين مشا بسبب الانتحار أو الجرعة الزائدة أو أسباب اخرى” يقول منسق الجمعية.

التحول الاضطراري لعاملات جنس

متعاطي المخدرات عبر الحقن، وبخاصة الهروين، له خصوصية معينة معروفة لدى المهتمين بالأمر.

كون انسحاب المادة المخدرة ينجم عنها آلاف نفسية وعضوية كبيرة وغير مختملة، حتى أن بعضهم وصفها بأنها مضاعفة لألام الولادة أكثر من مرة، عكس بعض المخدرات الأخرى التي تكون انعكاسات الانسحاب نفسية بالدرجة الأولى.

هذا الأمر يعني أن المدمن لا يجب أن يقع في حالة الانسحاب، وهو دائما في حالة البحث عن الجرعة.

البحث عن الجرعة قد يدفع المتعاطي إلى اقتراف أعمال مجرمة بالقانون، كالسرقة، وفي حالة النساء قد يكون الحل هو امتهان الجنس.

وفق التانوتي معاناة النساء مضاعفة، إذ يمكن أن تتحول إلى عاملة جنس لتوفير الجرعة، وما يعنيه ذلك من إنتقال الأمراض المنقولة جنسيا وفي مقدمهتا السيدا، خاصة في الفترة التي لم تكن هناك توعية لازمة ومعرفة بالوضع قبل أكثر من عقد من الزمن.

تحول المرأة المتعاطية الممتهنة للجنس في سبيل توفير الجرعة، وشركائها سواء من داخل المجموعة أو خارجها إلى آلية لانتشار الأمراض المنقولة جنسيا.

لهذا كان عمل الجمعية بالخصوص عاملا حاسما في جعل منحنى الاصابات يتراجع بشكل سنوي، لكن الحرب يجب أن تخاض على جميع الجبهات هي الكفيلة بتحقيق القضاء الشامل على الفيروس بحلول العام 2030.

 

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)