هكذا سقط “البيجيدي” في امتحان 8 شتنبر

لا تزال نتائج اقتراع 8 شتنبر تثير التساؤلات على مستوى وسائل الإعلام التقليدية منها والإجتماعية، حول التراجع التاريخي لحزب العدالة والتنمية من 125 مقعداً إلى 13 مقعداً معظمها بواسطة اللوائح المخصصة للنساء.

وإذا كانت عدد من وسائل الإعلام العربية والدولية ربطت ذلك بالمرجعية الإيديولوجية للحزب تارة، في إشارة إلى تراجع شعبية الإسلام السياسي في المنطقة، وبالحصيلة تارة أخرى، فإن المشهد الانتخابي بالمغرب أعقد من ذلك على عدة مستويات.

ورغم تصريحات بعض المرشحين حول الخروقات التي شابت العملية الإنتخابية، فإن ذلك بعيد عن تفسير النتائج المسجلة، خاصة وأن مثل هذه التصريحات ليست جديدة، وقد رافقت الإستحقاقات السابقة، التي سجلت نتائج مختلفة.

ويمكن تفسير ما حدث خلال 8 شتنبر الماضي بناء على تحليل ما حدث قبلها وربطه بكيفية استمالة الناخبين المغاربة.

الاعب الأساسي: الترشيحات!

تعد استمالة المترشحين ذوي الحظوظ الأعلى في الفوز، العامل الأكثر تأثيرا في نتائج الإنتخابات الجماعية والجهوية، لأن أبرز المرشحين لا يدينون في الغالب بالولاء لأي حزب.

ويدخل المترشحون غمار الانتخابات تحت لواء الأحزاب التي يتوقعون دخولها في التشكيل الحكومي، وذلك لعدة اعتبارات من ضمنها البحث عن علاقات داخل الوزارات ومراكز القرار، والحصول على الدعم المركزي للجماعات التي ينوون المشاركة في تسييرها.

وقد نجح حزب التجمع الوطني للأحرار في استمالة جزء كبير منهم من خلال عمل امتد لسنوات :

– من خلال منسقين جهويين عملوا بجد على استقطاب الأعيان وإقناعهم بأن الحزب سيقود الحكومة المقبلة.
– قافلة 100 يوم 100 مدينة التي عززت الشعور العام بأن الحمامة تستعد لاكتساح الإنتخابات.
– إعطاء انطباع أن الأحرار هو الحزب الذي يريده الملك.

وهي نفس الطريقة التي نجح بها حزب الأصالة والمعاصرة في الحصول على المرتبة الأولى في انتخابات جماعية سابقة.

في المقابل، عززت قيادة العدالة والتنمية توقعات هزيمتها من خلال حضورها الإعلامي الباهت.

كان نجاح الأحرار في هذه المرحلة كاسحاً، حيث ترشح باسمه أزيد من 25 ألف مرشح في الانتخابات الجماعية، مقابل أقل من 9 آلاف مرشح باسم البيجيدي، مما يجعله في المرتبة الأولى من حيث عدد الترشيحات، وهي نفس المرتبة التي حصل عليها في الانتخابات التشريعية، فيما حل حزب الأصالة والمعاصرة في المرتبة الثانية من حيث عدد الترشيحات، وهي نفس نتيجته في مجلس النواب، وكذلك الأمر بالنسبة لأحزاب الاستقلال والاتحاد الاشتراكي والحركة الشعبية. وحل البيجيدي في المرتبة الثامنة على مستوى عدد الترشيحات، وهي نفس المرتبة التي حصل عليها في اقتراع أعضاء مجلس النواب.

ماذا عن أنصار البيجيدي، الذي صوتوا له تصويتاً سياسياً خلال الاستحقاقات السابقة؟

ترأس العدالة والتنمية للحكومة والجماعات لولايتين، وضعف القيادة وغياب الكاريزما لدى الأمين العام للحزب، وتحمل الحزب مسؤولية القرارات الصعبة في إصلاح التقاعد، وإقرار التعاقد، والتطبيع، دون أن يلحظ المواطن أي أثر اجتماعي لتلك الإصلاحات، إضافة إلى غضب الشارع من القيود المرتبطة بجائحة كورونا، كلها أمور أدت لتآكل الكتلة الناخبة للبيجيدي، وتوجه معظمها نحو المقاطعة، أو التصويت للأشخاص بدل التصويت السياسي.

ولماذا إذن كانت نسبة التصويت مرتفعة؟

الجواب هو الجمع بين الاستحقاقات الجماعية والتشريعية، وللمقارنة فإن الانتخابات الجماعية لعام 2015 شهدت نسبة مشاركة أعلى بلغت 53.67%. أي أن نسبة المشاركة انخفضت ولم ترتفع!
إضافة إلى القاسم الإنتخابي الجديد الذي شجع على الترشح، وعدد المصوتين يرتفع بزيادة عدد المرشحين.

وقد جاءت معظم الأصوات من الدوائر القروية التي تشهدا تصويتاً مرتبطاً بالعائلة والقبيلة والولاء للأعيان، إضافة إلى ظاهرة شراء الأصوات.
أما المدن المتوسطة والكبرى، التي تحتضن كتلة انتخابية ذات تصويت سياسي، فمن المرجح أنها شهدت نسبة مشاركة ضعيفة.

ورغم أن وزارة الداخلية لم تنشر معطيات مفصلة حول نسب التصويت، فإن بعض الأخبار المستقاة من السلطات المحلية، تعزز هذه الفرضية، إذ بلغت نسبة التصويت بجماعة الجديدة حوالي 29 بالمائة فقط (مقابل 53% بإقليم الجديدة)، وبلغت حوالي 26 بالمائة بطنجة، كما سجلت أقل من 25 بالمائة بجماعة وجدة…

لماذا اتجهت الكتلة الناخبة السياسية، للمقاطعة ؟

الجواب هو غياب البديل، وبالتأكيد فإن جزء منها صوّت تصويتاً سياسياً، لكن المشهد السياسي الحالي لا يقدم أي بديل يغري هذه الكتلة من أجل التصويت، إذ رغم كل العمل الذي قام به الأحرار إلا أنه يظل في نظر هؤلاء جزءً من المشكلة، لأنه شارك في الحكم لمدة طويلة، وأن عدداً من رموزه تورطوا في فضائح أثناء توليهم المسؤولية. وينطبق الأمر ذاته على باقي الأحزاب البارزة، والتي لم تقم من الأساس بمجهود لتقدم نفسها كبديل.

أما الاشتراكي الموحد وفيدرالية اليسار، فقد تأثر حضورهم بالانشقاق الذي حدث قبيل الإنتخابات، وفي الوقت الذي خاضت فيه الفيدرالية حملة انتخابية ضعيفة، لدرجة أنها بدت بدون برنامج أو قيادة، وتشارك لأجل المشاركة فقط، فإن الحزب الاشتراكي الموحد لم يكن لديه الوقت الكافي لإعادة بناء صورته وعلامته الإنتخابية كحزب مستقل عن الفيدرالية، إضافة إلى استخدام خطاب المشاركة من أجل المعارضة، وهو ما يجعل جزء من الناخبين يرون أن التصويت لهذه الأحزاب هو تصويت بدون جدوى.

خلاصة

– الكتلة الناخبة ذات التصويت السياسي، التي كانت ترجّح كفّة البيجيدي سابقاّ، توزعت بين المقاطعة (معظمها)، والتصويت لأشخاص.

– عاقب الناخبون البيجيدي واتجهوا للمقاطعة في غياب بديل.

– لم يعاقب الناخبون “الأحرار” رغم مشاركته في الحكومة، لأن الحزب بالأساس لا يملك كتلة ناخبة سياسية، تكافئ وتعاقب.

– جل أصوات الانتخابات التشريعية جاءت من الدوائر القروية، عن طريق المرشحين للدوائر الجماعية.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)