بنكيران والحقيقة الغائبة

لم يكن عبد الإله بنكيران في غزوته الكلامية أمس التي حظيت بمتابعة كبيرة على وضوح تام مع المغاربة حول معركته الخاصة مع عزيز أخنوش. ففي الوقت الذي تحدث عنه ببعض التقدير في مهامه كوزير للفلاحة، كال له الكثير من الاتهامات في محاولة أخنوش أن يكون رئيس الحكومة القادمة، لدرجة الحديث عن أن حوله شبهات.

 

لكن هناك أحداث كثيرة تغاضى عنها بنكيران، وسيناريوهات أخرى تجاوزها:

 

ما بين إعلان فوز حزب العدالة والتنمية بالمركز الأول في 8 أكتوبر 2016 ثم تنظيم المؤتر الاسثتنائي لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي شهد “انتخاب” أخنوش يوم 29 أكتوبر من نفس العام، كانت هناك مدة كافية أمام بنكيران نوعا ما، على الأقل لإعلان الخطوط العريضة للحكومة القادمة.

 

لكن لماذا قرّر بنكيران انتظار تنظيم “الأحرار” لمؤتمرهم؟ ولماذا أصرّ على ضرورة أن يكون هذا الحزب طرفا في الحكومة؟

 

بنكيران برّر ذلك حينها أن “الأحرار” هم الطرف الذي حصل على ثاني مركز في الانتخابات من أطراف الحكومة السابقة، لكن الحقيقة غير ذلك.

 

في تلك المرحلة، كان هناك حديث عن إمكانية تشكيل الحكومة من أحزاب أخرى غير التجمع الوطني للأحرار، لكن بنكيران أصر على انتظار أخنوش، وهو بهذا لم يكن لديه القرار الكامل لتشكيل حكومته، وهو ما جعل الخبيرة الدستورية رقية المصدق تتساءل في حوار سابق مع أخبار اليوم عن استقلالية القرار الحزبي داخل العدالة والتنمية وغيره.

 

بل إن بنكيران تمسك بأخنوش وحزبه حتى بعدما أملى هذا الأخير شروطا غير مقبولة على بنكيران حول استبعاد حزب الاستقلال من الحكومة، ولم يدخل تشكيل الحكومة نفقا مسدودا إلا بسبب رفض بنكيران دخول حزب الاتحاد الاشتراكي في وقت لاحق، الحزب الذي ساهم بدوره في عرقلة تشكيل الحكومة باتخاذه مواقف متلونة (سآتي عليها لاحقا).

 

جزء من الإجابة على السؤال قد نجده في دراسة مكتوبة لمركز الجزيرة للدراسات للباحث كمال القصير: ” وظيفياً.. لا خيار أمام حزب العدالة والتنمية سوى التفاهم مع حزب الأحرار الذي يدرك بنكيران أن حكومة لا تضم في تركيبتها الأحرار لا يمكنها أن تنجح أو تستمر لما يعكسه زعيمه، أخنوش، من تموضع سياسي ضمن دائرة السلطة وصناعة القرار السياسي والاقتصادي”.

 

بنكيران أدرك في تلك اللحظة أن هناك أطرافاً عديدة داخل الدولة تريد أن يكون “الأحرار” طرفا رئيسيا داخل الحكومة، خصوصا مع الاتجاه نحو تعزيز التكنوقراط داخلها، وحزب “الأحرار” من الناحية السياسية لم يكن بعيدا عن مجرد تجميع للتكنوقراط، وكذلك مع ما أشار إليه كمال القصير في سياق توجه جديد للدولة المغربية في سياستها الخارجية.

 

لذلك تمسك بنكيران بالحزب ولم يقرر وضع منديل تشكيل الحكومة إلا عندما خاف من أن يلقى مصير ذلك الديك الذي قدم الكثير من التنازلات حتى صار يُطلب منه أن يبيض.

 

سؤال آخر يتحاشاه بنكيران.. هو لماذا قبل خلفك في الحكومة وفي الحزب، أي سعد الدين العثماني، بكل شروط أخنوش؟ أليس حزبك، بعد إعفائك، هو من ساهم في تقوية أخنوش ومنحه مكانة سياسية رفيعة بأن صار تقريبا هو من توّلى تشكيل حكومة ما بعد انتخابات 2016؟

 

وماذا لو فاز حزب العدالة والتنمية بالمركز الأول وكانت النتائج شبيهة بالانتخابات السابقة، ومرة أخرى قدم أخنوش الشروط ذاتها، ماذا ستفعلون؟ هل ستقبلون بها أم ستبحثون عن دعم الأصالة والمعاصرة الذي أعلنتموه خطا أحمرَ؟

 

وهل أصلا سيقدر حزب العدالة والتنمية، في حال الفوز، على تجاهل انضمام أخنوش للحكومة؟ متى كان هذا الحزب شجاعا لهذه الدرجة؟

 

أليس من المنطقي قبل توجيه الانتقادات للآخرين، أن يسائل بنكيران نفسه أولا عن استقلالية قرارات حزبه وعن الضعف الكبير للعثماني الذي سمح لأخنوش بالتغول في الحكومة أكثر أكثر؟

 

هي في النهاية معارك دونكيشوطية.. سيصمت بنكيران إذا ما أخبره حزبه أن لا بديل لهم عن الاستمرار مع “الأحرار” في حال ما فاز حزب المصباح بالمركز الأول. أما لو اتجه الحزب إلى المعارضة إثر خسارته الانتخابات، فحينها فقط سيتمكن بنكيران من مزيد من “التبوريدة” غير تلك التي رأيناها في “لموسم ديال الانتخابات”.

 

إسماعيل عزام *صحفي مغربي

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)