داحس والغبراء فيما تكنه الجزائر للمغرب من عداء

عبـد القـادر الـزاوي *ديبلوماسي مغربي (ابن مدينة وجدة) سفير المغرب سابق بكل من الاردن، الامارات، البحرين.

 

كل التوقعات التي استعد لها النظام الجزائري ومعه جوقته الإعلامية ذهبت أدراج الرياح. فالعاهل المغربي في خطاب العرش جنح كعادته دوما إلى السلم، مستخدما أسلوبا هادئا، شفافا ومسؤولا لطمأنة الجزائر بكل مكوناتها إلى أن أي شر، وأية مشاكل، وأي خطر أو تهديد لن يأتيها من المغرب، الذي سيكون هو أيضا متضررا من أي مكروه يصيب الجارة الشرقية.

 

وبلغة الواثق مما يقول، المستند على طبيعة الحقائق على الأرض في الصحراء، وفي كواليس العديد من المنتديات الدولية والإقليمية أعرب ملك المغرب عن أسفه للتوترات الإعلامية والدبلوماسية التي تعرفها علاقات البلدين، معتبرا إياها مسيئة لصورتهما في المحافل الدولية، مشددا على أنه يضع الجزائر في مرتبة توأم للمغرب، وليس فقط أخا له.

 

إن عنصر المفاجأة من النبرة الصادقة للنداء الملكي لم يظهر فقط في الآذان الصماء للمؤسسات الرسمية في الجزائر إزاء ما ورد فيه، والتي كانت تمني النفس بورود أي إشارة ذات طابع تصعيدي لتوظيفها داخليا مقابل فعاليات الحراك الاجتماعي، الذي عاد للتوهج ثانية ؛ ولكنه ظهر أيضا في وسائل الإعلام الجزائرية التي لم تجد ما تركب عليه لمهاجمة المغرب وملكه، فاكتفت بالتشكيك في النداء ودوافعه، وبأسلوبها الوقح المعتاد.

 

وفي غمرة البحث عن شماعة يمكن من خلالها مهاجمة المغرب أو كيل اتهامات مجانية له كالعادة، جاءت زيارة وزير خارجية إسرائيل للمغرب بمثابة هدية للنظام الجزائري ولأبواقه الإعلامية، خصوصا عندما تحدث الوزير الإسرائيلي عما سماه التحالف الإيراني الجزائري والخطورة التي يشكلها على أمن واستقرار منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا .

 

واللافت في الأمر أن الجزائر الرسمية لم توجه سهام النقد للمسؤول الإسرائيلي مباشرة، ولم تتجرأ حتى على ذكره بالاسم، وإنما هاجمت المغرب ووزير خارجيته، الذي أشارت إلى أنه هو من حرض “بمكره” نظيره الإسرائيلي على خلفية رغبة مكتومة للمغرب “في قيادة حليفه الشرق الأوسطي الجديد (غياب الجرأة مرة أخرى في ذكر كلمة إسرائيل) في مغامرة خطرة موجهة ضد الجزائر”.

 

حسب معلومات مستقاة من مصادر أمريكية، فإن التغاضي عن ذكر الصفة الإسرائيلية للوزير يائير لابيد ولدولته كان بإيحاء من اللوبي الأمريكي الذي توظفه الجزائر في واشنطن لكي لا تتعرقل مهمته، ولا تتشتت جهوده بين السعي للإساءة للمغرب وهو هدفه الأول، وبين محاولة تهدئة أنصار إسرائيل ؛ ولكن الخارجية الجزائرية نسيت أنها بالتركيز على المغرب ووزير خارجيته كمحرض للوزير الإسرائيلي أعطت للمغرب شرفا لا يدعيه المغاربة أبدا، ألا وهو القدرة على التأثير في إسرائيل، وما أدراك ما مكانة إسرائيل في العالم الغربي.

 

ومن جهتها منحت الطبيعة وحرارة أجواء الصيف للنظام الجزائري وأبواقه من خلال الحرائق المهولة والمدمرة التي اجتاحت حوالي 20 ولاية جزائرية مبررا آخر للتهجم على المغرب. فرغم أن الحرائق عامة وشملت معظم دول حوض البحر الأبيض المتوسط بما فيها المغرب، فإن النظام الجزائري أبى إلا أن يعلق فشله في بطء إخمادها وتخفيض خسائرها نتيجة تقصيره في تهيئة الوسائل الضرورية لذلك على المغرب، مدعيا مشاركته في إشعالها، بل واتهامه بالتحريض على ذلك.

 

كان بديهيا أن يكتشف النظام الجزائري بسرعة زيف ادعاءاته، خاصة وأن أي جهة أو عاصمة كبرى مهتمة بالمنطقة المغاربية لم تأخذ ادعاءاته على محمل الجد، لذلك تفتق ذهنه عن فكرة تحميل مسؤولية الحرائق لتنظيمين جزائريين معارضين له هما حركة رشاد ذات التوجه الإسلامي، وحركة تقرير مصير القبائل المعروفة اختصارا باسم “الماك”، اللتين سارع إلى تصنيفهما كحركتين إرهابيتين، ثم الادعاء بتلقيهما دعما أجنبيا، وخاصة من المغرب وإسرائيل بالنسبة للحركة القبائلية.

 

وبما أن تحويل أنظار الرأي العام الجزائري الداخلي عن مشاكله الحقيقية، وجذب الاهتمام الدولي لما يجري في المنطقة لم يحصل بواسطة بيان وزارة الخارجية تم رفع المستوى إلى عقد اجتماع استثنائي للمجلس الأعلى للأمن، الذي ركز مناقشاته حسب ما جاء في البيان الصادر عنه على ما أسماه “الأعمال العدائية من طرف المغرب، وحليفه الكيان الصهيوني ضد الجزائر”. ولكنه عند الإعلان عن الإجراءات المتخذة اكتفى باتخاذ قرار إعادة النظر في العلاقات مع المغرب، دون التجرؤ مرة أخرى على اتخاذ أي خطوة ضد إسرائيل.

 

لا شك أن النظام الجزائري بخروجه على مستوى أعلى جهاز أمني في البلاد للحديث عما يسميه المؤامرات التي تستهدف هذه الأخيرةيريد شد الانتباه الدولي أكثر سعيا وراء فك طوق العزلة التي وضع الجزائر فيها، والتي حاول الإيحاء مؤخرا أنه تجاوزها من خلال قيامه بتحركات دبلوماسية بين عواصم مشكلة سد النهضة (القاهرة، الخرطوم وأديس أبابا) دون أي نتيجة تذكر.

 

لقد نسيت المؤسسة العسكرية الحاكمة فعليا في الجزائر أن المتابعين للشأن الجزائري يرون في خروجها الصريح هذا إلى الواجهة، والذي أكده حديثرئيس أركان الجيش الجزائري عن مؤامرة شاملة مكتملة الأركان تتعرض لها بلاده إشارة إلى تحديين كبيرين تعانيهما:

 

*الأول أنها لم تعد واثقة في الواجهات المدنية التي وضعتها في سدة السلطة مؤخرا، واجهات ضعيفة تفتقد الكثير من مقومات القيادة، لقد اعتادت المؤسسة العسكرية الجزائرية منذ الإطاحة بالرئيس الشاذلي بن جديد الاختباء وراء وجوه مدنية ذات مصداقية تاريخية أو كاريزما شخصية ( الراحل بوضياف، السيد علي كافي، السيد اليمين زروال، السيد عبد العزيز بوتفليقة قبل مرضه) لتنفيذ سياساتها الاستئصالية والقمعية وتكديس الثروات.

 

*الثاني أنها الوحيدة في العالم التي ما تزال متشبثة بقاعدة أن يكون للجيش دولته، وليس للدولة جيشها. فهذه النظرية سقطت في تركيا، وتآكلت في باكستان، ولم يعد لها أثر يذكر في أمريكا اللاتينية وفي العديد من دول القارة الإفريقية.

 

ولهذا علينا في المغرب أن نستعد لما يشبه داحس والغبراء في مواجهة ما تكنه المؤسسة العسكرية الجزائرية لنا من عداء. فالعداء عندها داء عضال.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)