العقيدة والعقدة في عداء شنقريحة للمغرب

بقلم: عمر الطيبي

 

وصف السعيد شنقريحة رئيس قيادة اركان الجيش الجزائري المغرب بكونه “العدوالمغربي” لاول مرة في الخطاب الذي القاه بصفته قائدا للناحية العسكرية الثالثة، بمناسبة المناورات العسكرية التي جرت تحت امرته بالقطاع العسكري لتندوف منتصف شهر مارس 2016، ومنذ ذلك التاريخ لم يتوقف الرجل عن اشهار عدائه للمغرب كلما وضع في متناوله ميكروفون، حتى لوكانت المناسبة مجرد مراسيم مّأتم او حفل ختان.

 

وفاء منه لهذا النهج العدائي للمغرب لم يفوت شنقريحة فرصة الاجتماع الذي عقده مؤخرا مع ضباط الجيش في تيزي وزو، بينما الجزائر تحترق والسلطات المغربية تنتظر موافقة نظيرتها الجزائرية للمساعدة في اخماد الحرائق وانقاد الارواح، لكي يذكر الحضور بأن من مهام الجيش الجزائري فضلا عن المساهمة في اطفاء النيران والحفاظ على أمن المواطنين، التصدي لـ “العدو الكلاسيكي” أي المغرب، وبالرغم من أن وسائل الاعلام الرسمية حذفت المقطع المتعلق بالمغرب، عند نشرها لنص تدخله خلال هذا الاجتماع، فان شنقريحة سرعان ما أعاد الكرة عند التقائه في اليوم الموالي بالمبعوث الاممي لمالي، هكذا بدون سياق ولا مناسبة، حيث وصف المغرب، على وجه التقريب، بكونه “المستعمر الذي خرق وقف اطلاق النار في الصحراء الغربية جراء هجوم القوات المسلحة الملكية على متظاهرين مدنيين صحراويين في معبر الكركرات”.

 

تأتي هجومات شنقريحة وتهجماته على المغرب دائما على شكل صرخات هستيرية تتخللها عبارات مقتضبة تصف البلد الجار بكونه اما “عدوا” او “عدوا كلاسيكا” وأحيانا “مستعمرا ومحتلا” لكن بدون ما شرح اوتوضيح لسبب اعتباره المغرب عدوا للجزائر ولماذا هو عدو للجزائر يا ترى (؟؟)، وذلك في الوقت الذي يفترض فيه، أن الامر يتعلق ببلدين  شقيقين، بل ببلدين توأم كما قال محمد السادس عن حق، علما بأن أولهما مدين للثاني بالدعم المادي والمعنوي، الديبلوماسي والسياسي، وبدماء ّأبنائه التي اريقت بسخاء في سبيل استقلال الجزائر، ما يكشف عن تناقض مرضي في موقف الرجل ويعكس نقصا في نضجه العاطفي ـ الوجداني بصورة تحد بقوة من ادراكه للامور بوضوح، وتقديرها حق قدرها، ثم الحكم عليها بشكل سليم، كما يفترض في شخص يتولى أعلى مراتب المسؤولية في بلاده.

 

على عكس ما يظنه الكثيرون لم يكن شنقريحة من فئة قدماء المجاهدين اعضاء جيش التحرير الجزائري الذين تكونت منهم القاعدة العريضة لجيش ما بعد “الاستقلال”، ولا كان من فئة ضباط وضباط صف فرنسا (الانديجان) الذين أشرفوا على تشكيل هذا الجيش وتدريبه وتأطيره وقيادته، ثم توريطه بعد ذلك في قتل أزيد من 250 الف من الجزائريين، وتكشف هذه الخاصية التي كاد شنقريحة ينفرد بها عن باقي ضباط الجيل الاول، عن احد الاسباب التي افضت به لان يكشف في ممارساته عن شخصية نمطية ذات نزوع عدواني غير مبرر في حق الجيران.

 

تزامن بلوغ شنقريحة السن القانونية (18 سنة) والتحاقه بالجيش مع اعتداء مليشيات العقيد بومدين على قرية (ايش) المغربية واحتلالها وبالتالي اندلاع حرب الرمال سنة 1963، وبالرغم من انه لم يشارك شخصيا في هذه “الحرب”، فانه خرج من اجوائها باول الاعطاب النفسية التي لازمته طوال مشواره المهني، اولها احساس بالنقص امام رفاقه القادمين من جيش التحرير معتزين بمشاركتهم الميدانية في معركة الاستقلال، وثانيها الشعور بالدونية مقارنة مع المستوى العالي لقادة الجيش من ضباط وصف ضباط فرنسا “الانديجان” من حيث التكوين النظري والخبرة الميدانية التي اكتسبوها خلال مشاركتهم في حروب فرنسا الاستعمارية، يضاف الى ذلك الشعور بـ “الحكرة” وبمرارة الهزيمة جراء حرب الرمال التي تقاسمها مع  افراد الجيش الجزائري انذاك وبدون استثناء.

 

لم يكن شنقريحة القادم من قرية “القنطرة” بولاية بسكرة قد وصل بعد لاي مستوى تعليمي  جدير بالذكرعند التحاقه بالجيش، وكل ما تعلمه بعد ذلك يبقى مدينا به للمؤسسة العسكرية، لكن ولسوء حظ المغرب والجزائر كليهما فأن أهم وأخطر ما تعلمه شنقريحة وتشرب به في “مدرسة الجيش” هو “العقيدة العسكرية”، اي تلك الارضية والقواعد العامة التي جعل منها “ضباط فرنسا”، ارضية للتكوين والتوجيه المعنوي لافراد الجيش، والتي رسخوا من خلالها عداء الجيش الجزائري بالمطلق للمغرب ولوحدته الترابية، وهو العداء الذي  ما لبث، من فرط قوته، أن عبر بعد ذلك بوابات الثكانات العسكرية الى اقسام المدارس ومحاريب المساجد الجزائرية.

 

أواخر يناير 1976 اتيحت لشنقريحة فرصة التجريب الميداني لما تعلمه في اكاديمية شرشال العسكرية  (son bapteme de feu)، وذلك عندما زج نظام العسكر بكتيبة من 2000 من افضل ما عنده من الجنود والاطر العسكرية وبعتاد عسكري ثقيل كان من اقوى ما انتجت المصانع السوفياتية،  في اعتداء غاشم على الوحدة الترابية للمغرب، لكن رياح امغالا المسترجعة لم تهب بما تشتهي سفن جزائر بني مزغنة، وهزم الجيش الجزائري شر هزيمة على ايدي أبطال الجيش الملكي المغربي ما اسفر عن عشرات القتلى والمصابين والاسرى في صوفوف الجنود الجزائريين كان من بينهم السعيد شنقريحة كما بات معروفا.

 

مثل أسر شنقريحة وهزيمة الجيش الجزائري في امغالا عقدة مركزية مؤلمة في نفسية الرجل خلال مساره المهني وهي العقدة التي زاد من انغراسها فشل مناورة العسكر  اللاحقة خاصة تلك المتعلقة بشق ممر نحو المحيط الاطلسي واغلاق المعبر الحدودي بين المغرب وموريتانيا وذلك بعد حسم الجيش المغربي للامور بحزم ومسؤولية واستعادة معبر الكركرات من قطاع الطرق الانفصاليين أواخر سنة 2020.

 

هكذا اذن لم يعد بمقدور شنقريحة، وقد بلغ من العمر عتيا، أن يفعل أكثر من اطلاق صرخاته الهستيرية وقد باتت معروفة .. “المغرب عدو”.. “المغرب عدو كلاسيكي” .. “المغرب ..” .. “المغ ..”، واغلب الظن أنه سيلقى ربه وفي قلبه شيء من كراهية المغرب والحقد عليه..

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)