هل يلتقط المسؤولون الجزائريون حبل النجاة الذي القى به الملك اليهم ؟!

بقلم.. عمر الطيبي

مد العاهل المغربي الملك محمد السادس مساء امس السبت يد الاخوة والمصالحة للمسؤولين الجزائريين وذلك حينما دعا الرئيس الجزائري الى حوار مباشر يقوم على مبدا أن المغرب والجزائر توأم متكامل.

 

وقال الملك محمد السادس في خطابه السنوي بمناسبة عيد العرش ان “امن الجزائر واستقرارها من أمن المغرب واستقراره، وما يمسنا يمسهم” مؤكدا انه “لم يعد هناك الان اي سبب يبرر اغلاق الحدود” بين البلدين.

 

وأضاف العاهل المغربي قوله “لا انا ولا فخامة الرئيس الجزائري الحالي، ولا حتى السابق مسؤولون عن اغلاق الحدود بين البلدين” (1) ولكننا مسؤولون اخلاقيا وأمام التاريخ عن استمرار إغلاقها” مشيرا الى الأضرار التي تلحق بمصالح الشعبين الشقيقين جراء هذا الاغلاق الذي “يتنافى مع المواثيق الدولية ولم يعد له من مبرر”.

ولا شك أن ابناء الشعب الجزائري الذين بدأوا يتعرفون على حقيقة المغرب وعلى شخصية محمد السادس خلال السنوات الاخيرة، بفضل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، سيتلقون هذه المبادرة الملكية بترحاب وتقدير على غرار تلقيهم دعوته السلطات المغربية لتسهيل عودة مغاربة العالم الى بلادهم في إطار عملية مرحبا 2021 ولو انها لم تكن تعنيهم مباشرة.

ولا شك كذلك ان المسؤولين الجزائريين سيتفاجؤون بمبادرة العاهل المغربي في بداية الامر، وقد تربكهم بعض الشيء، أو حتى تشق صفوفهم الى حين، ولكنهم في جميع الاحوال ملزمون بالتفاعل معها، وعدم تجاهلها كما فعلوا مع دعوات سابقة اندرجت بدورها ضمن خيار المصالحة بين البلدين، وذلك بفعل ما انطوت عليه المبادرة الملكية المغربية هذه المرة من قوة اقناع وسلامة منطق ووضوح في الهدف خاصة وأنها جاءت في ظرفية صعبة على البلدين معا.

 

أن الأمر يتعلق في الحقيقة بحبل نجاة القاه العاهل المغربي للقيادة الجزائرية .. نجاة الجزائر نفسها، ونجاة المغرب .. ونجاة البلدان المغاربية برمتها .. من المخاطر التي تتهددها بالتفكك وفقدان السيطرة على امنها واستقرارها وتسليم زمام مستقبلها للمتربصين بها من كل الجهات.

ان نظرة بسيطة للاوضاع التي تمر منها البلدان المغاربية حاليا لكفيلة بتوضيح حاجة هذه البلدان لمبادرة من هذا القبيل، اذ تتشابه كلها من حيث المعاناة من جائحة كورونا، ومن تراجع اقتصادياتها بشكل متسارع، وتفشي البطالة في صفوف أبنائها وكذا من الهجرة السرية وتجارة البشر وترويج المخدرات القادمة من جنوب الصحراء اضافة الى التهديدات الارهابية المتناسلة بمنطقة الساحل والصحراء.

لننظر كذلك الى الصراعات المسلحة وغير المسلحة الدائرة في ليبيا بفعل تدخلات اقليمية ودولية لا تترك لليبيين فرصة المصالحة في ما بينهم ولا اعادة بناء دولتهم واستعادة ثرواتهم وفق ما يريدون، اضف الى ذلك كله الازمة السياسية المعقدة التي انفجرت مؤخرا في الجارة تونس مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر داخلية وخارجية لا بالنسبة لامن البلد نفسه بل لامن المنطقة كلها، لدرجة اضطر معها وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة لإبلاغ الرئيس التونسي قيس سعيد مؤخرا رفض القيادة الجزائرية لتدخل قوة اقليمية معينة في الشان الداخلي لتونس وخاصة لتواجدها بالحدود الشرقية للجزائر مباشرة.

 

اما اذا أخذنا الجزائر على حدة فانها بفعل اتساع رقعتها الجغرافية وتوسطها البلدان المغاربية الأربعة الاخرى فضلا عما يجمعها من حدود طويلة مع مالي والنيجر فإننا نجد ان هذا البلد المغاربي اصبحت تحيط به المخاطر والتهديدا من كل الجوانب، بحيث تظل الحدود الآمنة الوحيدة الامنة بالنسبة لها، ويا للمفارقة، هي حدودها مع المغرب !!

 

اذا ما أضفنا الى ذلك الاوضاع الصعبة التي يمر منها الشعب الجزائري من حيث تفاقم الحالة الوبائية وضعف وسائل محابهتها والنقص المسجل على مستوى الحاجيات الاساسية للعيش بل وانعدام بعض المواد الضرورية بالمرة في السوق الوطنية، يتبين ان الجزائر ستكون صاحبة المصلحة الكبرى في التجاوب مع المبادرة المغربية، ولربما أكثر حتى من المغرب نفيه، اذ سيتيح لها فتح الحدود بين البلدين ضمان عمق استراتيجي امن من جهة كما سيتيح لها اممانية تنفيس الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية الضاغطة على الشعب الجزائري، ثم الانطلاق سويا نحو آفاق التنمية المشتركة المنشودة على اساس مبدأ رابح-رابح.

 

ان الامر يتعلق في نهاية المطاف باختبار مدى نضج القيادة الجزائرية وتحليها بالذكاء الاستراتيجي الذي تتطلبه الظرفية التي تمر منها المنطقة وبالتالي التقاط الطرف الثاني لحبل النجاة الذي القى به العاهل المغربي اليها وقيام البلدين من ثم بمهمة إنقاذ مستعجلة للمنطقة المغاربية كلها، تلك المهمة الاي لا يمكن ان يطلع بها سوى المغرب والجزائر متحدين، باعتبارهما البلدان الأكبر والاقدر على الاطلاع بها.

لا بد في الختام من التاكيد على ان الامر يتعلق بمبادرة تاريخية، شجاعة وحكيمة بكل ما تحمل الكلمة من معنى، وليكن واضحا للجميع، انه اذا ما ضيع البلدان الفرصة التي تتيحها لهما هذه المبادرة لتحقيق المصالحة والسلام والتعاون فلربما اصبح من الصعب ان لم يكن من المستحيل على البلدين تحقيق ذلك في فرصة اخرى!!

 

(1) تم إغلاق الحدود صيف سنة 1994 في عهد ملك المغرب الحسن الثاني والرئيس الجزائري ايامها ليامين زروال.

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)