تاريخ مدينة وجدة الذي غيبته عاصمة الثقافة العربية

بدر المقري*

 

اعتمدت اللجنة الدائمة للثقافة العربية التابعة لدائرة الثقافة في المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (جامعة الدول العربية) يوم 30 نونبر 2017 بالإجماع اقتراح اختيار مدينة وجدة المغربية عاصمة للثقافة العربية لسنة 2018-2019. وليس هناك شك في أن الحصيلة الاحتفالية لم تكن فقط كارثية، بل أنها طمست كلية الرصيد التاريخي والثقافي الخصب الذي تمتلكه مدينة وجدة، في سياق تغييب كلي للمقاربات الأكاديمية العلمية التي كان جديرا أن تكون في الطليعة.

 

إسم وجدة:

 

هناك ست روايات تاريخية تتقاطع في غنى جذور مدينة وجدة التاريخية. فأما الرواية الأولى فتفيد أن اسم (وجدة) مشتق من اللفظ الأمازيغي: (تيوجدا) أي السواري. وهذا المعنى تؤكده الحفريات الأثرية الفرنسية التي أنجزت في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20، والتي أعطت الدليل القاطع على أن مدينة وجدة سبقت الفتح الإسلامي للمغرب الأقصى. وأما الرواية الثانية فتفيد أن (وجدة) صيغة معربة لاسم المدينة في جذوره الأمازيغية: (وجدات) ومعناه (الاستعداد للأمر). وأما الرواية الثالثة فتفيد أن اسم (وجدة) مشتق من (الوجد) أي: الحب. وبرهان ذلك قول أبي علي الحسن ابن الفكون القسنطيني، لما نزل مدينة وجدة في أواخر القرن السادس الهجري (12 الميلادي):

 

ولما جئت وجدة همت وجدا

بمنخنث المعاطف معنوي

 

وأما الرواية الرابعة فتقوي اشتقاق اسم (وجدة) من (الوجد) أي: منقع الماء. والمراد هنا مياه واحة سيدي يحيى في ضواحي المدينة، التي كانت جارية إلى حدود سبعينات القرن العشرين. وأما الرواية الخامســـة فتميل إلى ضم حـــــرف الواو من (وجــــدة) ويـــــكـــون الاشتقاق من (الوجد) بضم الواو، أي: الغنى والسعة. وأما الرواية السادسة، فهي بدون أدنى سند علمي متواتر. وقد أوردها أبو القاسم الزياني (1734-1833) في إحدى تواليفه بدون بينة. وفحوى هذه الرواية التاريخية أن سليمان بن جرير الزبيدي، قاتل المولى إدريس الأول مؤسس دولة الأدارسة بالمغرب سنة 177 هجرية، وجد في حيز محدد، فعرف هذا المكان باسم (وجدة).

 

2- متى تأسست مدينة وجدة؟

نذهب إلى أن زيري بن عطية المغراوي لم يبن مدينة وجدة سنة 384 هجرية (994 ميلادية)، كما هو شائع و متداول، وإنما جدد بناءها. وبراهين ذلك ثلاثة: فقد كانت (وجدة) موقعا يتميز بالاستقلالية و يصل ما بين (موريطانيا الطنجية) أي شمال المغرب الأقصى حاليا، و(موريطانيا القيصرية) أي شمال الجزائر حاليا. وإذا اعتمدنا فرضية حمل مدينة (وجدة) اسم مدينة (الحيرة) لكثرة مياهها وأنها عرفت بعد ذلك باسم (وجدة)، عندما وجد بها سليمان بن جرير الزبيدي قاتل المولى ادريس الأول سنة 177 هجرية، فإن المؤكد أن مدينة (وجدة) أقدم بن زيري بن عطية المغراوي، الذي جدد بناءها في أواخر القرن الرابع الهجري (القرن 10 الميلادي).

ونضيف إلى كل ذلك أن من أقدم جوامع وجدة، جامع سيدي عقبة الذي ينسب إلى الفاتح عقبة بن نافع الفهري، الذي توفي سنة 63 هجرية (682 ميلادية). و قد فصل الحديث في ذلك محمد بن الحسن الحجوي (1874-1956) الذي كان مندوبا سلطانيا بوجدة سنة 1903، في تقييد له نشرته محققا منذ عشرين سنة في دورية (كنانيش) التي كانت تصدرها مجموعة البحث في الديموغرافيا التاريخية في جامعة محمد الأول بوجدة. وفي ذلك ما يرجح كفة جذور مدينة وجدة التاريخية، قبل الفتح الإسلامي للمغرب الأقصى، إذا سلمنا بأن عقبة بن نافع الفهري قد وضع الحجر الأساس لهذا الجامع.

 

3- خصائص مدينة وجدة التاريخية والجغرافية والطبيعية:

مما ييسر صورة جلية لمدينة وجدة، الإشارة إلى أنها توجد في الشمال الشرقي للمغرب، وهي عاصمة جهته الشرقية. ويمكن اختزال موقعها الاستراتيجي في المسافات الآتية:

 

  • توجد مدينة وجدة 50 كلم جنوب ساحل البحر الأبيض المتوسط.
  • توجد مدينة وجدة 58 كلم غرب مدينة تلمسان في الجزائر.
  • توجد مدينة وجدة 306 كلم شرق مدينة فاس.
  • توجد مدينة وجدة 372 كلم شمال مدينة (فجيج)، التي تعد بوابة الصحراء.

 

ويمكن إغناء المقاربة الموضوعية لخصائص مدينة وجدة، بالنصوص التاريخية الأربعة الآتية:

أ)- قال البكري الأندلسي (القرن 5 الهجري / 11 الميلادي)، في كتاب (المسالك والممالك): ” وجدة مدينتان مسورتان، يسكن في المحدثة التجار وفيها الأسواق والجامع خارج المدينتين، على نهر أحدقت به البساتين. وهي كثيرة الأشجار والفواكه، طيبة الغداء، جيدة الهواء “.

ب)- قال ابن عبد ربه الأندلسي الحفيد (القرن 7 الهجري) (13 الميلادي)، في كتاب (الاستبصار):

” وجدة مدينة كبيرة، مسورة قديمة أزلية، كثيرة البساتين والجنات والمزدرعات، كثيرة المياه والعيون، طيبة الهواء، جيدة التربة. و يمتاز أهلها من غيرها بنضارة ألوانهم وتنعم أجسامهم، ومراعيها أنجع المراعي وأصلحها للماشية. وعلى مدينة وجدة طريق المار والصادر من بلاد المشرق إلى المغرب وسجلماسة”.

ت)- قال ابن أبي زرع الفاسي (القرن 8 الهجري / 14 الميلادي)، في كتاب (الأنيس المطرب): ” بنى زيري بن عطية المغراوي مدينة وجدة، وشيد أسوارها وقصبتها، وركب أبوابها، وسكنها بأهله وحشمه، ونقل إليها أمواله وذخائره، وجعلها قاعدته ودار ملكه لكونها واسطة بلاده. و كان اختطاط زيري بن عطية لمدينة وجدة في شهر رجب الفرد سنة 384 هجرية (غشت 994 ميلادية)”.

ث)- قال الحسن الوزان الفاسي المشهور بليون الإفريقي (القرن 10 الهجري) (16 الميلادي)، في كتاب (وصف أفريقيا): ” وجدة مدينة قديمة بناها الأفارقة (يقصد الأمازيغ)، في سهل فسيح جدا، على بعد نحو 40 ميلا جنوب البحر المتوسط، وعلى نفس البعد تقريبا من تلمسان. وأراضيها الزراعية كلها غزيرة الإنتاج. تحيط بها عدة حدائق، غرست فيها على الخصوص، الكروم وأشجار التين، ويخترقها جدول. وكانت أسوارها في القديم متينة وعالية جدا. ودورها ودكاكينها متقنة البناء، وسكانها أثرياء ومتحضرون وشجعان، ولكنها نهبت ودمرت “.

 

4- أسوار وجدة وأبوابها:

بنيت أسوار وجدة التي لم تندثر سنة 1890، مع التذكير بأنها بنيت على أنقــاض الأســــوار التي بناها الســـلطــــان يوسف المريــــنــــي سنة 696 هجـــريـــة (1296 ميلادية) والسلطان إسماعيل العلوي سنة 1090 هجرية (1679 ميلادية). وأما أبوابها فأربعة:

  • باب الغربي أو باب سيدي عيسى، في الجنوب الغربي.
  • باب سيدي عبد الوهاب أو باب سيدي يحيى، شرقا.
  • باب أولاد عمران، شمالا.
  • باب الخميس، غربا.

وأما أبواب وجدة الداخلية، فهي كالآتي:

باب السبت / باب سيدي شعيب / باب أولاد ابن مرزوق الخطيب / باب القصبة / باب دار المخزن / باب سوق الحبوس / باب سوق الغزل / باب السقاية / باب رحبة الزرع / باب أهل وجدة / باب القيسارية / باب أشقفان / باب سوق الشراقة / باب الزاوية / باب القنادسة / باب أهل الجامل / باب القرنة.

 

5- أحياء وجدة العتيقة:

-القصبة المرينية.

-حي أولاد الكاضي (بجيم مصرية).

-حي أولاد عيسى.

-حي أهل وجدة.

-حي أولاد عمران.

6- جوامع وجدة ومساجدها العتيقة:

-جامع سيدي عقبة، الذي ينسب إلى عقبة بن نافع الفهري (القرن الأول الهجري / 7 ميلادية).

-الجامع الكبير، الذي بناه السلطان أبو يعقوب يوسف المريني سته 696 هجرية (1296 ميلادية).

-جامع حدادة، الذي بناه السلطان سليمان العلوي، حوالي سنة 1217 هجرية (1802 ميلادية).

-مسجد الزيتونة.

-مسجد عيمر.

-مسجد طه.

-مسجد الأشهب.

-مسجد الدالية.

-مسجد جوهرة.

-مسجد االغريبة.

-مسجد أبي الغيث.

-مسجد المدرسة المرينية.

-مسجد الباشا.

-مسجد المخزن.

 

7- علماء وجدة:

من علماء مدينة وجدة الذين فازوا بقصب السبق العلمي داخل المغرب وخارجه، عبد الله بن سعيد الوجدي وعيسى بن محمد الوجدي بالأندلس في بداية القرن السادس الهجري ( 12 الميلادي )، ومحمد بن يحيى بن الوجدية بالقاهرة في بداية القرن 9 الهجري (15 الميلادي)، ويوسف بن عابد الوكيلي بمصر واليمن في منتصف القرن 11 الهجري (17 الميلادي) ومحمد بن علي الغماد الوجدي الذي توفي سنة 1033 هـ (1624 ميلادية). ومن علماء الطبقة الأولى بوجدة في القرن العشرين، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي وولده المهدي، والعربي بن الحبيب سيناصر الحسيني وأخوه أحمد، وأبو بكر بن زكري، والعربي وادفل، ومحمد بنسعيد مهداوي.

 

8- مدارس وجدة العتيقة:

-المدرسة المرينية الملحقة بالجامع الكبير التي بناها السلطان أبو يعقوب يوسف المريني سنة 696هـ (1296 ميلادية).

-المدرسة الفرنسية العربية، التي تعد أول مدرسة انشأها الاستعمار الفرنسي بالمغرب، في أكتوبر 1907.

-مدرسة العروبة الحرة (1935).

-مدرسة زيري بن عطية الحرة (1946).

-مدرسة الترقي الحرة (1946).

-مدرسة القرآن الكريم الحرة (1947).

9- حمامات وجدة القديمة:

-الحمام البالي، الذي بناه السلطان أبو يعقوب يوسف المريني، سنة 696 هجرية (1296 ميلادية).

-الحمام التركي، أو حمام التكاتك.

-حمام الجردة، الذي بني في بداية القرن 13 الهجري (القرن 19 الميلادي).

    • حمام الصابوني.
    • حمام ابن باجي.
    • حمام بوسيف.
    • حمام الباشا.
    • حمام برمضان.
    • حمام الخصة.

 

10- منازل وجدة القديمة:

 

أبهى ما يمثل أنموذجا في العمارة المغربية لمنازل وجدة القديمة، دار العلامة الحاج العربي سيناصر الحسيني التي بنيت بطابقيها السفلي و العلوي سنة 1903، و دار السبتي التي بنيت سنة 1933.

 

11- الصناعات التقليدية بوجدة:

النساجة / الحياكة / الغزل / الحدادة / السرار، أي صناعة سرير البندقية التقليدية / صياغة الذهب و الفضة / صناعة السرج / صناعة البرادع.

 

12- بساتين وجدة القديمة:

أ)-الأشجار المثمرة: التين، والزيتون، والرمان، واللوز، والجوز، والمشمش، والسفرجل، والليمون، والبرقوق، والأترج.

ب)-الخضر: الطماطم، واللفت، والجزر، والقرع، والبطاطس، والخس، والباذنجان، والخرشوف، والفجل، والفلفل، والفول.

ت)-الحبوب: القمح، والشعير، والذرة.

 

13- تقاليد الطبخ:

أحسن مرجع يوفي العناية بهذه التقاليد هو كتاب (فضالة الخوان في طيبات الطعام و الألوان) لابن رزين التجيبي الأندلسي (ت.692 هجرية) (1293م). فهي جامعة في جذورها بين ما هو أندلسي ومغربي. و من نماذج ذلك: الكسكس، ودشيشة المرمز، والحريرة، وبركوكش، وزعلوكة، والتفايا، والدفينة، والمروزية، والبكبوكة، والمبسس، وخرينكو (بجيم مصرية)، والمفروق، والمطلوع، والملوي، والمسمن، والكعك، والمقروط، وكعب الغزال، والزلابية.

 

14-التراث الموسيقي الأندلسي بوجدة:

لما كانت (وجدة) مدينة الوجد، فليس غريبا أن يكون تراثها الموسيقي أندلسيا يعرف بالغرناطي، نسبة إلى مدينة غرناطة. وحري بنا أن ننبه إلى أنه كانت هناك صلات ثقافية بين وجدة وبعض الحواضر الأندلسية منذ القرن الخامس الهجري (11 الميلادي). ويضاف إلى ذلك أن أبا عبد الله النصري آخر سلاطين بني الأحمر في غرناطة، نزل بعدما طرد منها في يناير 1492 ميلادية في مدينة غساسة، و هي من سواحل الجهة الشرقية من المغرب.

ومما يعد سبقا ثقافيا أن العلامة الأديب محمد بن علي الغماد الوجدي (ت.1033هـ \1624 ميلادية)  ساهم مساهمة بناءة في المحافظة على التراث الموسيقي الأندلسي، و هو ما يعكسه (كناش الحائك التطواني) (القرن 19 الميلادي).

ويضاف إلى كل ذلك أن أول جمعية للموسيقى الأندلسية تأسست بالمغرب، هي الجمعية الأندلسية التي رأت النور بمدينة وجدة سنة 1921، ثم تلتها مدينتا فاس والرباط.

وإذا تعلق الأمر بالخصوصية الفنية، فإن الموسيقى الأندلسية بوجدة حمل لواء تميزها الشيخ صالح شعبان (1911-1973) الذي أبدع في فن جديد مزج فيه بين الموسيقى الأندلسية و الملحون المغربي، فعرف هذا اللون بالمغربي أو بالملحون الوجدي.

 

*باحث أكاديمي

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)