الجزائر : عقيدة العداء تتجاوز مغربية الصحراء

بقلم عبد القادر الزاوي

تشيع بعض وسائل الإعلام المغربية أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن قد أغلقت نهائيا موضوع إعادة النظر في اعتراف الرئيس السابق دونالد ترامب بمغربية الصحراء وعزمه تجسيد ذلك الاعتراف بالإعلان عن افتتاح قنصلية أمريكية عامة في مدينة الداخلة. وتدعم تلك المنصات الإعلامية وجهة نظرها وما تروج له بتصريحات وأحاديث تجتزئها من هنا وهناك.

والواضح من طريقة تقديم الأخبار المتعلقة بهذا الموضوع أن وسائل الإعلام المعنية لا تتابع التطورات الجارية في واشنطن عن كثب ومن خلال مصادر متمكنة وموثوقة، وإنما قد تكون بصدد ترويج ما يسرب لها بغية رفع أسهم البعض ممن يتولون الإدارة البيروقراطية لملف الوحدة الترابية للمملكة في أوساط الرأي العام.

 

ففي المعلومات المستقاة من عين المكان، فإن الجزائر تجاهر وبتشنج وغضب بأنها لن تتقبل على الإطلاق اعتراف إدارة الرئيس ترامب بمغربية الصحراء وإعلانها تأكيد ذلك بافتتاح قنصلية عامة في مدينة الداخلة. ولهذا فهي بصدد مضاعفة جهودها وبذل مساعي محمومة لإعادة النظر في هذا الاعتراف من طرف الإدارة الجديدة في واشنطن بقيادة جو بايدن.

ولهذه الغاية فقد عملت الهيئات الدبلوماسية والمخابرات الجزائرية على تجنيد جهات أمريكية وأوروبية وإفريقية أيضا وبمبالغ مالية ضخمة لممارسة أقصى الضغوط الممكنة المباشرة وغير المباشرة على إدارة الرئيس بايدن. ومن اللافت للانتباه أن بعض تلك الجهات المجندة لم تكتف بالتحذير مما تسميه “مساوئ الاعتراف بمغربية الصحراء” خاصة على المسار الأممي لحل القضية ؛ ولكنها بدأت تعزف على نغمة “أهمية الجزائر للولايات المتحدة الأمريكية ولسياساتها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وخاصة في منطقة الساحل”.

 

وفي نظر تلك الأطراف، فإن الجزائر، التي تميزت منذ استقلالها باعتزازها المبالغ فيه بالهوية الوطنية، والتي ترسخت لدى مختلف شرائح مجتمعها عقيدة رفض التدخل الأجنبي كيفما كان لن تذعن للأمر الواقع، ولن تقبل بأن تحشر في الزاوية.

لهذا فإن المصلحة الأمريكية تكمن في ضرورة دعم هذا البلد عبر :

*مساعدة الجزائريين في الوصول على الصعيد الداخلي إلى إجماع وطني لتدبير المرحلة الانتقالية التي تمر منها البلاد بعد حقبتين من الحكم الشمولي للرئيس المعزول عبد العزيز بوتفليقة.

*تكثيف التواصل مع مؤسسة الجيش الجزائري لجهة ضمان تعاونها الفعال في محاربة الإرهاب، ولاستمرار حثها على مواصلة سياسة ضبط النفس تجاه المظاهرات الشعبية وتنبيهها من مغبة عواقب أي عمل قمعي واسع النطاق ضد تلك المظاهرات.
*البحث عن كيفية طمأنة النخب الجزائرية الجديدة والمستقبلية فيما يخص احتياجات البلاد على المدى البعيد، سيما وأن الوضع الاقتصادي المتردي بسبب عدم استقرار أسعار النفط، وتفشي الفساد وضخامة الإنفاق العسكري يغذي مشاعر اليأس والإحباط لدى شرائح واسعة من الشباب.

*عدم تهميش الجزائر وتقزيمه في القضايا الإقليمية لما لها من قدرة على التشويش في تلك القضايا من خلال قوة علاقاتها داخل بؤر التوتر، وخاصة في مالي وليبيا.

وفيما يبدو كنوع من التزلف للطغمة العسكرية الجزائرية تمعن تلك الأطراف ليس فقط في تحسين صورة الجزائر، وإنما في محاولات شيطنة المغرب وتلفيق التهم الواهية له أمام الإدارة الأمريكية الجديدة، إذ لم يتردد بعضها ممن استفاد من كرم الجزائر وسخائها في الترويج لأطروحة مفادها أن مشكلة الجزائر مع “المخدرات المغربية” وعبرها إلى باقي دول شمال إفريقيا وجنوب أوروبا تشبه كثيرا مشكلة أمريكا مع المخدرات القادمة إليها عبر المكسيك.

ورغم ذلك، فإن هذه الأطراف المجندة من قبل الجزائر كانت صريحة في استنتاجات اتصالاتها، إذ تقول المعلومات أنها أكدت للجهات الجزائرية المتعاقدة معها صعوبة إقناع إدارة بايدن بالتراجع الكلي عن الاعتراف. ولذلك فهي تركز عملها كخطوة أولى على فرملة كل الإجراءات الممكنة لتجسيد الاعتراف، وخاصة افتتاح القنصلية العامة التي كانت إدارة ترامب قد وعدت بافتتاحها في أقرب الآجال.

في هذا الإطار حاولت هذه الأطراف تسليط الأضواء على إعلان نيد برايس Nes Price الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية بأن واشنطن تواصل دعم مساعي الأمم المتحدة لحل نزاع الصحراء، وبأنه ليس لديه أي جديد ليصرح به، واعتبرته في تأويل غريب نوعا من التراجع عن قرار الرئيس السابق ترامب.

وإذا كان بإمكاننا نحن أيضا كمغاربة تأويل تصريح نيد برايس كدليل على عدم وجود أي تغيير في موقف إدارة بايدن، سيما في ضوء إصراره على عدم وجود اي جديد يقوله في الموضوع، فمن واجبنا الاستعداد لأي طارئ، وتوقع أي شيء في انتظار أن يتبلور الموقف الأمريكي خلال الجديد بشكل صريح ؛ وذلك ما سيحصل لا محالة أثناء المناقشة المقبلة لقضية الصحراء وتمديد ولاية المينورسو في مجلس الأمن الدولي.

ديبلوماسي مغربي سابق ينحدر من وجدة

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)