القانون دون إطار

طغت على الرأي العام المغربي خلال الأسبوع الأخير الكثير من التحليلات والقراءات النقدية وأحيانا التجاذبات والمشادات بخصوص القانون الإطار رقم 51.17 المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي الذي جاء في إطار الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030. والتي جاءت بدورها تفعيلا لتوجيهات الملك الواردة في خطابه بمناسبة ذكرى عيد العرش لسنة 2015. هذا المشروع الذي يقدم كأول قانون-إطار سيعتمد في تاريخ التشريع المغربي في مجاله.
ومرجع الجدل الدائر حول مشروع القانون هذا ينحصر في ثلاث نقط رئيسة تتعلق تباعا بلغة التدريس) المادة 31) وآلية التوظيف بالتعاقد (المادة 38 (ثم رسوم الدراسة (المادة 48(.
حول لغة التدريس:
جاء في فقرات المادة 31 من القانون-الإطار ما يلي: إعمال مبدأ التناوب اللغوي من خلال تدريس بعض المواد ولاسيما العلمية والتقنية أو بعض المضامين أو المجزوءات في بعض المواد بلغة أو لغات أجنبية.
تحدثت هذه الفقرة عن اعتماد هندسة لغوية منسجمة دون أن يتضح تماما المقصود من هذه العبارة، فالمادة بدأت بمغازلة اللغتين الرسميتين للبلاد من خلال ما قالت انه اعتماد اللغة العربية لغة أساسية للتدريس وتطوير اللغة الأمازيغية في المدرسة، لكنها سرعان ما أزاحت عنهما البساط لصالح اللغات الأجنبة (الفرنسية أساسا (باعتبارها الأقدر والأكفأ على مجاراة العلوم والتقنيات.
التدريس بلغة أجنبية سيطرح لا محالة إشكال الهوية والاستلاب الفكري، وسيعتبر نكوصا وتراجعا عن مكتسب التعريب، خاصة أن الخطوة لم تقم على حوار مجتمعي يشرك جميع المعنيين، الشيء الذي أثار حفيظة الكثير من الشخصيات السياسية والأكاديمية التي اعتبرت في عريضة وقعتها مطلع الأسبوع أن “المسألة اللغوية ليست اختيارا عرضيا ولا أمرا هامشيا يمكن حسمه بهذه العجلة”.
إضافة لأن أمرا كهذا في حالة الإقرار سيكشف عن إشكال عويص يتعلق بقدرة المكونين على التدريس باللغات الأجنبية وبخاصة مع استحضار المستوى المتدني لحضورها في التعليم العمومي مقارنة بنظيره الخاص، مما يفتح الباب على أسئلة تكافئ الفرص عند ولوج الجامعات والمعاهد بعد المرحلة الثانوية.
حول نظام التعاقد:
المادة 38 من القانون-الإطار تتحدث عن تمكين منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي من الموارد البشرية المؤهلة والاستجابة لحاجياتها من الأطر وتنويع طرق التوظيف والتشغيل لولوج مختلف الفئات المهنية بما فيها آلية التعاقد.
وهو الموضوع الذي يكاد يعصف بوزارة أمزازي حتى مع وجود دعم الأغلبية الحكومية، والحديث يبدو قطعا عن التعاقد لكن صياغة المادة تحدث انطباعا عن تعدد الآليات وتنوعها وتذكر التعاقد كنموذج فقط، ما يبدو أنه ليس أكثر من تلاعب بالألفاظ. فأزمة الأساتذة المتعاقدين اليوم فتحت الأبصار على غياب نماذج أخرى للتوظيف غير التعاقد وإلا لكان وقع الأزمة أقل قليلا ولتمكن أمزازي الخروج من عنق الزجاجة التي لايزال محشورا فيها لما يزيد على الشهر. أما مسألة توفير الموارد البشرية بشروط نظام التعاقد فهو تكريس للهشاشة لا تستقيم وفكرة النهوض بالقطاع التعليمي بتاتا.
حول دفع الرسوم:
المادة 48 من القانون-الإطار جاءت بما يلي: إعمالا لمبادئ الإنصاف وتكافؤ الفرص يتم بكيفية تدريجية إقرار أداء الأسر الميسورة لرسوم تسجيل أبنائها بمؤسسات التربية والتكوين بالقطاع العام ولاسيما بمؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى وبمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي في مرحلة ثانية وذلك وفق المعايير والشروط والكيفيات المحددة بنص تنظيمي.
يعبر ما سبق عن نية الدولة إلغاء مجانية التعليم في المرحلتين الثانوية التأهيلية والجامعية، وهو الأمر الغريب والمستهجن لأنه لا يعتبر المرحلة الثانوية التأهيلية إلزامية، بحيث تكتفي الدولة بضمان مجانية التعليم الإلزامي بين سن 4 سنوات إلى تمام 16 سنة فقط.
إضافة لذلك فإن عبارة الأسر الميسورة التي اعتمدها نص مشروع القانون جاءت فضفاضة لا تكشف أية معايير يمكن اعتمادها لتحديد الأسر المعنية بالمادة، وإلا فإن الأسر الميسورة -حسب الفهم المتداول للعبارة- ترسل أبناءها سلفا للمعاهد الخاصة ومدارس البعثات الأجنبية والجامعات الدولية وليست معنية بالتعليم العمومي أصلا.
ويظهر الخلل والتناقض في المبادئ التي عللت هذه الفقرة والمتعلقة بالإنصاف وتكافؤ الفرص، لأن إعمال هذه المبادئ يقتضي وعلى العكس مما جاءت به المادة تقديم هذه الخدمة بالمجان والحرص على توفرها وتقريبها من المتعلمين.
هذا عدا الكثير من الملاحظات الأخرى التي تضمنتها القراءات النقدية للقانون-الإطار أهمها تعدد المفاهيم والمصطلحات إضافة لغموض مسؤولية الحكومة في الكثير من المسائل، كما يعاب عليه اعتماده على الميثاق الوطني للتربية والتكوين كإطار مرجعي رغم أن هذا الأخير أثبت فشله على مدار عقدين.
هذه عموما أهم الملاحظات على القانون-الإطار الذي يتأرجح بين المصادقة والمراجعة، وإذا كنا جميعا متفقين حول تشخيص القطاع بالعلة الظاهرة المتجذرة فإن الحل يجب أن يكون كذلك توافقيا أفقيا يشرك الجميع ويأخذ باعتباره واقع الحال ويحترم الإطارات التي نريد أن نبني بها مستقبل هذا الشعب وهذا الوطن.. هذا إن كانت إرادة الإصلاح حاضرة حقا.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)