فوضى “الفراشا” في زمن كورونا” بوجدة..عندما تفرض الأزمة أجندتها على السلطة!

 

لا أحد ينكر اليوم أن التوفيق بين متطلبات التنفيس عن بعض العاملين في القطاعات غير المهيكلة، وضمنهم فئة الباعة المتجولين، ورهان فرض الحد الأدنى من التباعد المطلوب، لتجنب مدينة وجدة أية كارثة صحية، هو أمر بالغ الصعوبة. خاصة في الفترة الحالية التي تنتعش فيها التجارة الموسمية المرتبطة بمناسبة عيد الأضحى.

 

للوهلة الأولى، قد نصاب بالصدمة من حجم وهول الاكتظاظ الحاصل وسط المدينة وبالتحديد بساحة باب سيدي عبد الوهاب، وقد يتبادر إلى الذهن أسوأ السيناريوهات الممكنة، بالنظر إلى الغياب التام لشيء إسمه التباعد،  وعدم وضع الكمامات بالنسبة للأغلبية، ووضعها بشكل غير صحيح عند عدد منهم، وإلى ما ذلك من سلوكات توحي بأن الوضع لا يختلف بتاتا عن الوضع ما قبل كورونا.

 

لكن في المقابل نطرح السؤال التالي: هل السلطات المحلية لم يكن بوسعها ضبط هذا الأمر؟

 

التجربة تؤكد بأن السلطات تستطيع أن تجعل من وسط المدينة مكانا خاليا في ظرف أقل من ساعة، وكأن أحدا لم يكن هناك، وهذا الأمر يؤكد بالتالي بأن إفساح المجال للفراشة لمزاولة تجارتهم في في الأزقة والشوارع القريبة من  من ساحة باب سيدي عبد الوهاب ووسط هذه الساحة التي قيل يوما بأنها معدة حصرا لفنون الحلقة والتراث الشعبي المحلي، هو سماح تم بموجب رغبة السلطة!

 

وفق الاعتبار القانوني، فإنه إلى جانب خرق المقتضيات المنظمة لحالة الطوارئ الصحية، فإن هؤلاء الباعة، يقدمون على خرق مقتضيات استغلال الملك العام، وعرقلة السير والجولان، وغيرها من المقتضيات القانونية والقرارات الإدارية، بل والأهم أنهم ينافسون بطريقة غير مشروعة المئات من التجار الذين يزاولون تجارتهم في محلات قانونية ويدفعون عن ذلك ضرائب وحتى أكرية مهمة، في الوقت الذي عانى هؤلاء أيضا من واقع الأزمة، وربما كان وقعها على العديد منهم أعمق من المتجولين.

 

لكن بين القانون وتطبيقه، هناك واقع مر، واقع يؤكد بأن هذه الفئات وفئات أخرى لا يمكن أن تعيش تحت ضغط الزمن والحاجة أو الحزقة، أكثر مما عاشت في الأشهر الماضية، لذلك عملت السلطات بمنطق “شحال من حاجة قضينها بتركها”، فرغم تنبيهات التجار الذين من حقهم الدفاع عن مصالحهم، إلا أن السلطات لم تحرك خلال الأيام الماضية وتركت لهؤلاء الباعة حرية التجارة !

 

و هنا يطرح سؤال جوهري، هل هذا الحل هو حل مقنع؟ بالتأكيد لا، لكن هو الحل الوحيد الذي يمكن للسلطات أن تواجه به الأزمة، وهو حل في الحقيقة يمدد عمر الأزمة.

 

قد يقول قائل بأن السلطات قد شيدت لهذه الفئات عدد من الأسواق النموذجية لكن اختاروا تجارة التجوال على التنظيم، و قبل التفاعل مع هذا المبرر الذي يحلوا للبعض أن يبرر به وضع التجار الجائلين، لابد من طرح السؤال التالي: كم من بائع متجول معني بالأسواق النموذجية؟

 

الواقع أن الاجابة عن هذا السؤال وحده دون البحث في كيفية توزيع المحلات في بعض هذه الأسواق، يؤكد بأن الأمر يتجاوز الرهان على أسواق ولدت ميتة، وإنا للأمر علاقة بمنظومة متكاملة، مرتبطة بخلق فرص الشغل بصفة عامة.

 

لأن أرقام البطالة التي ارتفعت بشكل مهول خلال الفترة الاخيرة، تؤكد بأن واقع البطالة في هذه المدينة والمنطقة لا يلامس فقط من لا شواهد له، وإنما حتى الذين يحملون شواهد عليا، وبالتالي التفكير الجماعي في حلول تنتج الشغل هو الكفيل باحتواء العديد من الظواهر ومنها الباعة المتجولين، وإلا فإن توزيع محلات 10 أو 20 أو حتى 50 سوقا، لا يكفي وقد تعود في النهاية بؤر لإنتاج مشاكل من نوع أخر.

 

لهذا كله، كان الرهان لهذه الجهة الحصول على مسؤولين من ذوي الكفاءة العالية القادرين على ابتداع حلول يمكن وإن لم تحل الإشكالات الاجتماعية الكبرى بشكل كلي وفي مقدمتها البطالة، على الأقل تساهم في حلحلة هذا الملف، لذلك قلنا بأن الطرب الغرناطي والراي ومختلف الفنون يمكن أن تشغل المسؤول لبعض الوقت، ولكن ليس كل الوقت! هناك آلاف المعطلين لا يمكن أن نشغلهم في الغرناطي والراي !

 

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)