المهداوي حراً

        الصور التي انتشرت للصحفي حميد المهداوي فور مغادرته للسجن بعد ثلاث سنوات قضاها عقابا على أمور كثيرة إلا تلك التي سجلت في المحاضر، صوره وسط أسرته رأى فيها كل مكتوٍ بنار الفراق بسبب سجن فرد عزيز عليه سلوانا من نوع خاص، وأملا يفرد جناحين عظيمتين استطاعتا ضمه وجبر خاطره، وحملته للحلم بذاك اليوم الغابر الذي يبدو قريبا وبعيدا.. ممكنا وصعبا، يتجدد الإيمان به في مثل هذه اللحظات، ويخبو مع أخبار اعتقالات جديدة وأحكام سخية بسنين سجن طويلة جدا، ولا يُعجِز من هم داخل السجون الصبر، ولا يَهزم من هم خارجه الانتظار، لكن الذي يخافه الجميع هو أن يسبق قدر آخر قاس جميع المواعيد ويربك كل الخطط. 

خرج المهداوي إذا واقفا، متقدما فوق حطام رواية الدبابة، الدبابة التي تعشش في خيال من يريدون لهذا الوطن أن يبقى ساحة صراع تقطعها دبابات من ورق، ومؤامرات ومكائد تحيكها أيادي داخلية وخارجية، وأفراد يسعون لقلب النظام بألفي درهم، أولئك الذين يريحهم بقاء الوضع على ما هو عليه، حتى لو صار معيبا ومخزيا، أولئك الذين لا يتخيلون يوما تنتزع فيه ملكيتهم لهذه المزرعة، ولا أن يحرموا امتيازاتهم الباطلة ولا ’’حقهم‘‘ في معاملة مواطني هذا البلد معاملة أجراء سخرة، لا يحق لهم الكلام أو الشكوى ولا حتى الأمل والتطلع، أولئك الذين يصنعون أعداء وهميين من بضع شباب وفتية انتفضوا على الظلم وبرهنوا على ولائهم لهذا الوطن بالاكتراث بشؤونه.

هذه المعارك التافهة التي تسخر لها الإمكانيات ويجند لها الاعلام ويزج فيها بالقضاء، لا تفتأ تنزع ثقة المواطن بكل ما حوله، وتعمق الشرخ الذي يعانيه أصلا في علاقته بالمؤسسات، ثم لا يلبث أن يزداد يقينا ببطلان هذه القضايا وبانهيار الروايات الرسمية وهو يرى أبطال هذه المواجهات المجانية يخرجون من السجن أقوى وأكثر ثباتا على مواقفهم، وعزما على المواصلة حتى لو عنى ذلك تكرار تجربة الاعتقال بكل تفاصيلها الموغلة في الأذى والبشاعة، إن ما نعاينه مؤخرا من سباق محموم  نحو متابعة الصحفيين والحقوقيين والنشطاء، عبر التربص لهم ومحاولة الإيقاع بهم، تلفت انتباه الناس حتى أكثر المغيبين منهم لواقع هذا البلد، ولحقيقة الذين يمسكون بزمام الأمور فيه، وللطريقة المخجلة التي يتم بها تلفيق التهم واستنساخ المحاضر لكل صوت نشاز على الجوقة الرسمية، كأننا لم نزل عالقين في نفس السنوات البائدة لا نفارقها. 

وعلى الرغم من أن واقع الحال اليوم أكثر مطابقة للماضي بكل سقطاته وخروقاته، ومع استمرار تناسل المتابعات كل يوم بلا توقف، فلا يمكننا إلا التمسك بتلابيب الأمل، كلما جدت علينا مشاهد من قبيل ما رأيناه أثناء خروج واستقبال المهداوي، حالمين بتكرار تلك الفرحة عشرات المرات بعدد المعتقلين على قضايا السؤال عن الحرية والعدالة، لتتذوق تلك الفرحة جموع الأمهات والزوجات والأبناء، وتغلق أبواب المنازل أخيرا على أحبتها، تلك التي ظلت مفتوحة منذ تغييبهم قسرا انتظارا لعودتهم، ولتصحح هذه المسارات الخاطئة كليا مادام الضحايا قادرين بعد على التجاوز والتسامح.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)