المغرب.. الوضع السياسي وخيارات ما بعد الجائحة (2/3)

بقلم .. عمر الطيبي

 

هذه الحكومة تدرك أنه كان وسيكون لأزمة كورونا آثار وخيمة على المجتمع المغربي، بدءا من مخلفات تعطيل دواليب الانتاج، لفترة طويلة، بمقياس الزمن الاقتصادي، والاضرار بالمقاولات الصغرى والمتوسطة، وافلاس عدد كبير منها، وفقدان مناصب الشغل بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ البلاد، وضرب القدرة الشرائية للطبقة المتوسطة، وتعليق المبادلات التجارية مع الشركاء التقليديين الى أجل مسمى، كما تدرك أن هذه الازمة ستزيد من حدة وتفاقم المشاكل التقليدية المزمنة للبلاد وعلى رأسها البطالة والفقر، وتردي الخدمات الاجتماعية خاصة في ميداني التعليم والصحة، اضف اليها مشاكل البيئة، واستنزاف ثروات البلاد لفائدة الرأسمالية المتوحشة والنظام الكولونيالي الجديد.

 

* نفخ سياسي في قربة مثقوبة

 

على كل حال فان ذلك لايعني أن وضع مشروع هذا القانون المشؤوم أملاه تفشي الوباء في أرجاء البلاد.. هكذا فجأة وبلا مقدمات، بل على العكس من ذلك كان يجري الاعداد له، عن سبق اصرار وترصد ضمن برنامج متكامل لوضع ترسانة قانونية قمعية لم تظهر كل تفاصيلها بعد للوجود، حتى أنه تردد، والله اعلم، بأن اقالة وزير العدل السابق من منصبه، تمت بالتحديد لانه لم يساير، أو ربما اعتبروا أنه لم يكن في مستوى رغبة أطراف التحكم، في وضع مشروع قانون لتكميم الافواه بالمواصفات التي تم الكشف عنها، وهي المهمة التي قبل وزير العدل الحالي التصدي لها بصدر رحب، ولهذا السبب بالذات تم تعينه في هذا المنصب وقيل له “زه”.

أما ما لوحظ من تهافت وتسرع في اقحام مشروع 22.20 في آخر لحظة، وعلى غير المعتاد، ضمن جدول اعمال مجلس الحكومة، والمصادقة عليه بسرعة البرق في جتماع 19 مارس الماضي، أي في اليوم نفسه الذي اعلنت فيه حالة الطوارئ الصحية، فأملته الرغبة في استغلال الفرصة التي اتاحتها  ظروف الحجر الصحي وما رافقها من مراسيم جزرية،  لفرض المصادقة عليه كأمر واقع، لولا ما جوبه به من رفض واستنكار قوي من طرف الرأي العام الوطني ومختلف القوى الحية في البلاد، رفض واستنكار، أديا في ما أديا اليه الى ارتباك واضطراب واضح في مواقف مكونات الائتلاف الحكومي، بين مؤيد للمشروع داخل المجلس الحكومي، وناكر له في الهيئات القيادية للاحزاب المشاركة، على طريقة “قلوبنا مع علي وسيوفنا مع معاوية”، ثم تعليق المصادقة عليه الى حين.

 

والحالة هذه فانه ما كان على السيد العثماني، الذي بدا في خرجاته التواصلية الاخيرة هائما على وجهه السياسي، أن يستمر في نفخ حماسته الشخصية في قربة مثقوبة، وحتى اذا ما كان عذره في فعل ذلك عدم تحكمه في خيوط لعبة الكراسي، الدائرة حوله وفي غفلة منه، كرئيس للحكومة، فقد كان يكفيه الانتباه كما ايها الناس، الى ما اعترى عمليات التطبيق الميداني لاجرءات الحجر وعمليات توزيع المساعدات على المحتاجين، وغير المحتاجين، من اختلال وانتقائية وقمع مصور، يتخلله القذف والسب والجلد والرفس والصفع واذلال المواطنين، على مرأى ومسمع من كاميرات الهواتف المحمولة، وأيضا عودة “تحمار العينين وتهراس الكرارس”، وذلك برغبة مكشوفة في تذكير المواطنين بمضمون العبارة المخزنية المكرسة في هذا الباب ” قالكم القايد زيدو .. قالكم القايد هداو ” واجبارهم على الامتثال لمضمونها المقيت.

 

كان يكفي السيد العثماني استحضار ذلك لكي يكف عن النفخ في قربته المثقوبة، وأن يبحث هو واخوانه في (بي.جي.دي)، وشركاؤه في التحالف الحكومي الهجين، إن استطاعوا لذلك سبيلا، عن شيء آخر يمكنه اثارة حماسة المغاربة وتعبئتهم للمشاركة في مواجهة مخلفات الجائحة، ومن ثم الانخراط في التصدي لاستحقاقات المستقبل بكل ثقة في نوايا الدولة، هذا وأشك شخصيا، وبكل صراحة، في قدرتهم على تقديم أي مبادرة مجدية أو حتى مقترح ايجابي بسيط لاثراء الحياة السياسية بصفتهم الحزبية، بعدما تم استنزاف جهدهم الحزبي في معارك طاحنة لا هدف لها سوى تأمين مصالح فئوية ضيقة وتحقيق عائدات شخصية ليست لها قيمة الا بالنسبة لهم، مما ادى في نهاية المطاف الى ضرب مصداقية الاحزاب، ضربة ربما كانت هي القاضية هذه المرة، فهذه الاحزاب قد “انفضحت قصيدتها تماما” كما قال الشاعر درويش.

 

/يتبع/

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)