المغرب.. الوضع السياسي وخيارات ما بعد الجائحة (1/3)

بقلم .. عمر الطيبي

 

حاول رئيس الحكومة سعد الدين العثماني في خطابه الاخير، امام البرلمان بغرفتيه، استعادة الاجواء الحماسية التي رافقت بدايات التصدي لجائحة كورونا، حيث ساد الساحة الوطنية، ولبعض الوقت، اعتقاد بانه بالامكان تحويل الاجراءات المتخذة على الصعيد الرسمي في مواجهة جائحة كورونا، وما حظيت به من تجاوب شعبي واسع، الى حالة اجماع وطني، يكون بمثابة نقطة ارتكاز لاطلاق نهضة مغربية شاملة، طال انتظارها، على الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وذلك بدون أن ينتبه الى أن حكومته هي بالذات من عمل كل مافي وسعه، باتفاق أو بدون اتفاق بين مكوناتها، على ابطال مفعول هذا الاعتقاد الواهم لدى المواطنين من الأساس.

 

* مشروع القانون 22.20 مفتاح قراءة الوضع السياسي

 

لعل مما كان قد عزز انتشارهذا الاعتقاد بين الناس في البداية، تفعيل الحكومة لمبدأ “السيادة الوطنية” باغلاق المنافذ الحدودية، ووقف حركة السفر الدولية من والى البلاد، واستحداث صندوق للتضامن مع الفئات الهشة والمتضررة من الاجراءات المتخذة في مواجهة الوباء، وأيضا ما شهدته البلاد من تعبئة عامة، كان لها بالغ الاثر في مواكبة تنفيذ هذه الاجراءات من طرف المجتمع المدني، ومختلف القوى الحية، وفئات الاطر الطبية وشبه الطبية، ورجال التعليم، وعمال النظافة، والقوات النظامية، والشباب المخترعين، وصناع المحتوى في الانترنيت، .. وحتى من طرف بعض رجال الاعمال والفئات الميسورة .. يضاف الى ذلك كله امتثال المواطنين في الغالب الاعم لمقتضات الحجر الصحي، ولو في حدود الالتزام بلزوم بيوتهم.

 

ظل ذلك هو الاعتقاد السائد لدى فئات عريضة من المواطنين الى ان تم الكشف عن وجود شيئ اسمه مشروع قانون 22.20، بتسريب مقصود أو غير مقصود، لا يهم، ففث ذلك في عضد الجميع، ودل بما لايدع مجالا للشك على أن ما هم ويهم هذه الحكومة من الاجراءات المعلنة ومن التعبئة الشعبية التي واكبتها، بالدرجة الاولى، هو تظافر جهود اسلامييها وعلمانييها، اشتراكييها ورأسمالييها، وما بين الحدين من انتهازيين ووصوليين ومقتنصي فرص وخدام دولة، من أجل غاية أساسية واحدة بالنسبة لهم، هي تحصين احتكار اللوبي الطبقي الذي يمثلونه، للسلطة والثروة، وحماية مصالحه من مفاعيل جائحة كورونا وتعويض خسائره الناجمة عنها، وأيضا قطع الطريق على الاحتجاجات الاجتماعية المتوقعة بفعل الازمة الحادة التي دخلتها البلاد، لذلك كان من باب تحصيل الحاصل أن جعلت هذه الحكومة من مشروع قانون 22.20 كلمة السر لعملها، والمبرر الاساسي لتحركاتها خلال فترة الحجر الصحي وما يلها، حتى ولو انها علقت استكمال مسلسل المصادقة عليه الى حين.

 

لعل مما استثار الرأي العام الوطني ونبهه الى خطورة هذا المشروع، سوابق الحكومة في هذا الباب، اذ انها لم تنتظر الى حين تفشي جائحة كورونا في ارجاء البلاد كي تمارس قمعها وتهديداتها لحرية التعبير في فضاءات الشبكة العنكبوتية، بل أنه لم يسبق لها أن ترددت، ولو للحظة، في تسليط عقوبات ظالمة على الصحافيين والاعلاميين ونشطاء فضاءات الشبكة العنكبوتية، كلما تعلق الامر باصوات تعبر عن الحراكات الاجتماعية، تكشف ملفات الظلم والفساد، وتدعو للعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الانسان، والحريات الفردية والعامة، معتمدة في ذلك مختلف القوانين القمعية وبالاساس القانون الجنائي، كما لم تخف تهديداتها المتكررة لنشطاء الشبكة، باغراقهم في الويل والثبور وعظائم الامور.

 

لقد جرى ذلك بصورة مسترسلة وبدون ما حاجة لقانون قمعي خاص بتكميم افواه نشطاء الشبكة العنكبوتية، من أيام الدعوة الى مقاطعة البضائع التي تعرفونها .. وتعرفون أصحابها، وحتى الان، بل ان كبيرهم الذي علمهم السحر، لم يكن في حاجة لاي أداة قانونية لكي يقوم بتهديد المغاربة جميعهم بأعادة تربيتهم، وتحريض بعضهم على بعض، وذلك بطبيعة الحال تبعا لما تقتضيه مصالحه الخاصة، ومصالح حلفائه، كما وأيضا بالاسلوب الذي يناسبه ويناسبهم، أما الان فقد تغيرت الظروف وتبدلت الشروط بفعل هذه الجائحة.

 

/يتبع/

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)