حديت الغزل و اليبرة ..

‪يروى أن خياطا حكيما يعمل كل يوم في ورشته البسيطة و حفيده الأصغر الشغوف بإختصاص جده كان يرافقه لمراقبته وهو يحيك و يصمم أجمل الملابس بإبرة و مقص، في يوم راودت العجوز فكرة تلقين حفيده درساً في الحياة .

فما كان من الجد الخياط إلا أن قام بإمساك ثوب جديد ، بعدها تناول مقصه الثمين الذي شهد معه عمراً في حرفته و شرع في قص القماش إلى قطع أصغر و أصغر ، بعد ذلك أخذ الإبرة واصل في جمع هذه القطع الصغيرة ليخيط منها ثوبا رائعاً، أنهى الخياط عمله ، فرمى بالمقص الثمين أرضا ، وغرز الإبرة الرخيصة في عمامته حفاظا عليها ، في هذه اللحظة لم يستطع الحفيد أن يستمر في كتم فضوله و استغرابه البالغ ، فسأل و قال :
لماذا يا جدي رميت مقصك الثمين على الأرض … بينما حرصت على الإحتفاظ بالإبرة رخيصة الثمن و وضعتها بعمامة رأسك ؟!

أجاب الجد : يا بني إن هذا المقص هو الذي فصل القطعة الكبيرة من البِجَاد عن بعضها و فرقها ، أما الإبرة الرخيصة كما تقول هي التي جمعت تلك القطع و صنعت منها ثوباً بهياً .

علاقاتنا الإنسانية باختلافاتها .. تنوعها … تشعبها و تعيقداتها .. و تحركاتنا في هاته الرقعة مع الأخر ، تتشابه إلى حد بالغ المدى عملية تقسيم البُرْد و تحويله إلى أشطر و من ثم نسج ثوب جميل من العناصر التي تم تشتيتها في البدء .

بأيدينا أن نبني من علاقاتنا مثوا غاية في الرونق و الجمال نسكنه جميعا في ود .. و وئام ، كما أنه من صنع أيدينا أيضا – عن قصد و بغير قصد أحيانا- ، هدم جدران المسكن الذي أقمناه من قبل تحت أي مسوغ .. بعد أن كان صرحا مُتَرابِطا .

إبتغى الجد من فعله ذاك أن يفقه الحفيد كنه الحياة و سمو الأواصر الإجتماعية و رغب في أن يكتشف أن التفرقة سبيل الدمار و الخراب ، كما أراد له أن يكون بلسم القلوب و الجروح أينما حل و ارتحل .

فليس إجبارا عليه أن يكون مثاليا و لا الأروع على  الإطلاق ،  لا لينا حد العصر و لا عصيا حد الكسر ، بل عوان بين ذلك .
الأهم أن يكون نافعا لا ضارا …و للورد ناثرا من حوله .

‫و مشات خبرتي من واد لواد … لعل وعسى يفهموها ولاد الجواد‬ …

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)