وهم التأثير

في ظروفنا الحالية لا يمكن إلا أن نُسلم بأننا فعلا مجرد أحجار على رقعة شطرنج.. تحرك تفاعلاتنا أيادي طويلة، طويلة جدا تبلغ رقابنا وجيوبنا، تتصافح في السر وتتشابك في العلن، وتمثل علينا دور التدافع والترافع لأجل المصلحة العامة.

وكالمسروق الذي يظهر عندما يتنازع اللصوص، لا نعرف مما يطبخ لنا في أقبية ’’المؤسسات‘‘ سوى ما يرشح جراء التجاذبات وتصفيات الحسابات بين الفرقاء الأبديين، ومحاولاتهم إحراج بعضهم بمناسبة وبدونها، لننخرط بعدها في هذه الحرب عبر سلاح ’’الهاشتاجات‘‘ والتدوينات لتغليب طرف على آخر، بحماس مزيف، واعتقاد غبي بالنباهة والفطنة، لتنتهي هذه المعارك بسيناريوهات معدة أصلا ولا علاقة لضغطنا وحركيتنا التي لا تتجاوز عتبات ’’السوسيال ميديا‘‘ به.

كأننا نكمل زاوية من هذا المشهد البائس، عندما يحين دورنا ويسمح لنا بأدائه، وما حدث ويحدث مع مشروع قانون 22.20 ليس سوى صورة صغيرة من ذلك.

والمثير للشفقة هو أننا نفرح بمآلات الحرب الشكلية ونزعم الانتصار، ونفخر بقوتنا، بقدرتنا المختلقة على محاصرة مد الشمع الأحمر، ورفض أنواع المضايقات والقيود، وسياسات المكاييل المتعددة والصوت الوحيد، فيدفعنا الحماس لطلب المزيد تحت تأثير وهم صناعة التأثير.

إننا نبدو كمن نسي حقيقة وضعه، وضحالة حجمه، وانطلقنا نمارس صلاحيات المواطنين الحقيقيين الذين يستطيعون إحداث تغيير في اختياراتهم الأصلية، لا كما هو الحال بالنسبة لمواطنين من درجة أدنى، عرفت إرادتهم الأولى طريقها إلى القمامة سريعا، فأين لهم اليوم الفرصة للتأثير على قرارات تتوقف عليها مصالح أكثر أهمية من آرائهم وأصواتهم، بل ومن حياتهم.

سيبدو هذا الكلام نشازا وسط الاحتفال المستمر لما يُعتبر إسقاطا لمشروع قانون 22.20، مع أنه في الحقيقة لم يسحب نهائيا ولم تنته بعد حكايته، وكل ما تم هو تأجيل أشغال اللجنة الوزارية التي كُلفت بمراجعته بعد حصوله على المصادقة داخل مجلس الحكومة إلى حين انتهاء الظرفية الوبائية، وبالتالي العودة للمربع الأول، وعودة جميع هؤلاء الذين يُحيّون اليوم الزخم الشعبي لدورهم الأصيل كحام للباطرونا وأصحاب المال على حساب كل هؤلاء السذج الذين ينتهي دورهم بمجرد إفلات تلك الورقة التي تحمل علامة يشترط ألا تتجاوز الإطار داخل صندوق شفاف كل خمس سنوات.

وبعد عودته للتداول سيحاول آخرون إقناعنا بالقول إن مشروع القانون ما زالت أمامه عقبة التصويت في البرلمان، كأننا لا نعرف لعبة الامتناع والغياب عن الجلسات التي ينتهجها نوابنا في هكذا منعطفات حاسمة، وكأننا لم نر بحسرة قبل وقت ليس بقصير كيف مرروا المادة التاسعة من قانون 70.19 رغم كل المداد الذي أسالته، بالتالي فالتعويل على إسقاط القانون في مرحلة المصادقة داخل البرلمان تعويل واهم، شأنه شأن الصراخ في الفراغ الذي نمارسه في العالم الموازي.

الحركية الغريبة التي شهدتها الفترة الأخيرة والتي شملت توقيف الكثير من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي، أحيانا ببلاغات من مرتادين آخرين، كانت تمهد لما هو آت، وهو الأمر الذي حذر منه الكثيرون، وكل ما يحيط بهذه القضية وخلفياتها والسياق الذي جاءت فيها بما فيه قرار سحبه وما تلاه يجعلها غير بريئة أبدا، وعليه فلا يجب أن نصدق أن بعض الضجيج هزم إرادة راسخة في حماية الأموال وأصحابها، والكراسي وجلسائها، وبالتالي علينا التفكير جديا في نقاط قوتنا الحقيقية والتي يمكن أن تُأثر لصالحنا في معارك التجريد من حقوق المواطنة التي يطلقها ضدنا هؤلاء.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)