في زمن الجائحة .. متحدين نقف .. متفرقين نسقط 

انطلاقا من واقع معيش و ملاحظة شخصية  منذ مدة و مذ بدأت التقدم في العمر في كثير من الأحيان، كثيرا ما يتم التمييز بين الأشخاص و وضعهم في قدر من الإحترام و التقدير على حسب سمو المناصب التي يشغلونها أو التخصصات التي هم بصدد دراستها سواء أكانوا طلاب جامعات أم طلاب صفوف ثانوية تأهيلية أو إعدادية.

كثيرا في هاته المراحل الدراسية ما كان طلاب شعب يسخرون من طلاب  الشعب المغايرة لشعبتهم ، أو حتى جل الأباء يطربون المسامع في المجالس بشيء من الغرور إلى  أحد أبنائهم أو أبناءهم جميعهم يدرسون في مسالك صعبة لا يستطيع أي كان الولوج إليها إلا النوابغ و الأذكياء، متناسين أن  مسألة الذكاء والنبوغ هي رزق متغير من فرد لأخر قسم له – على أن يكون الفرد متميزا في شيء غير متاح للآخر و العكس أيضا-..  مع بعض التأثير الخارجي قد يتحكم فيه نوعا ما.. – هذا موضوع أخر تتشعب تفاصيله ربما نتطرق إليه في فرصة لاحقة – و الفيصل هو أن سمو الإنسان لا يكمن في هاته التفاصيل الضيقة..

أما مشكلة المرحلة الإبتدائية فكانت كلها تتمحور حول التفاخر  بالمعدّل العام للسنة في الغالب.

الجديد مع  بدأ جائحة – كوفيد 19 المستجد – العالمية،  طفت موجة من الدعوات لتمجيد مهن دون أخرى، أو بصريح العبارة  لإعطاء الإنسان قيمة و قدر على حسب المهنة التي يمتهنها محاولين تقزيمه في مهية علمه.

هذا الإشكال  قديم / جديد، ربما سابقا كان لا يتعدى حورات في المجمعات أو حديث عبر سماعة  هاتف، إلا أنه مع بروز الجائحة و وسائل التواصل الإجتماعي إنتشر كالنار..

العديد من  صور الجرافيك  و سطور المنشورات تسفه من قيمة  الآخر الفرد من من ليسوا ضمن الصفوف الأولى لمحاربة الوباء المتفشي  بمختلف تخصصاتهم – بطريقة لبقة و غاية في الأدب – لأنه ليس بطبيب أو أنه ليس بين صفوف محاضرات كليات الطب.. أو أنه لم يفكر قبل الجائحة أن ينضم لفيالق الأمن و الجيش.. منشورات  مفادها أن ليس في الكون غير الأطباء و غير مهن أخرى في حد ذاتها..

احترامي بالغ  لجميع الأطباء و العاملين بالقطاع الصحي،  عبر أنحاء المعمور .. فمعظمهم أصدقاء الطفولة  مازلنا نحافظ على العهد الذي قطعناه يوما أن لا نفترق.. آخرون  تربطني بهم علاقات متينة و جيدة .. و بعضهم الآخر أقارب مقربين .. منهم الأخ دكتور صيدلي ..  ابن الخالة طبيب أسنان ..ابنة الخال .. و ابن العم سيلحق كل واحد منهم بالركب ( كل في تخصصه ) عم قريب .. و تقدراتي الرفيعة لهم،  ذلك غير إيماني بدورهم الحيوي في كل مجتمع و أمة على مر التاريخ والعصور ..وأقدر بنفس الحجم أيضا، أفراد الأمن، لأنهم الساهرين على أمننا.. تجدهم و لو كانت أيامنا عادية و لا حجر صحي مفروض علينافيها ..مرابطين على مداخل و مخارج كل مدينة.. ساهرين و على إمتداد حدود  المملكة لحمايتها و حمايتنا من أي خطر خارجي يهدد سلامتنا و يقض مضاجعنا و نومنا العميق أ ليلا كان أم نهارا..

عبر هذا النص أرفع قبعتي  للأطباء و باقي زملاء مهنتهم ،  كما أفراد الأمن ومن معهم في الصفوف الأولى لدفع الضرر عن الناس  في هاته الظروف الحرجة التي يشهدها العالم.. كما البيقة من البشر أي  لكل عامل في أي قطاع كان .. لا يهمني لادينك .. و لا توجهاتك الإيديولوجية و لا الفكرية.. و لا  سلوكياتك و نواياك.. و لا كذا عرقك أو لونك ..

كلكم رائعون .. و متميزون .. و لكل فرد منكم  قدر خاص ..

فأصالة عن نفسي أحترمك لأنك إنسان و قيمتك عندي و عند البقية  يجب أن لا تكون مجرد عمل يزاول و تخصص يدرس .. أو جامعة تترك .. أو مدرسة في الأساس لم تلجها يوما ..  أصالة عن نفسي أحترمك كذلك لأن الإنسانية و قدسية الروح عند خالق الخلائق تجمع بيننا .

لكن إن فرضنا أن  إتخاذ معيار المهنة لتحديد  قيمة الفرد – و إن كان هذا المعيار غير صحيح -..  عندها لابد للجميع أن يعلم ..أنه لكل منا من خلال مهنته دوره الخاص الذي يفيد به محيطه ..و المجتمع !

على سبيل المثال  لا الحصر .. و لأنني أدرك إلى حد ما و لدي خبرة بسيطة في مجال  له علاقة بالإسمنت .. الرمل .. الطوب .. الحجر و باقي مختلف مواد البناء، اسمحوا لي أن أضرب لكم مثلا بالمهندس المعماري  / المصمم الداخلي و المنهدس المدني ..

فلولا ذلك المهندس المعماري / المصمم الداخلي،  لما تم وضع تصميم للمشفى و سهر الليالي و أعاد مسودة مشروعه بدل المرة ألف ..

تخيل بدل المرة مليون مرة كل حركة صغيرة و كبيرة تحدث في ذلك المركز الصحي لكي يوفر لك أقصى شروط الراحة الممكنة داخل المكان .. لولاهم لما وجد.. الأطباء مكان يؤوي المرضى لمعالجتهم و لا هم و آخرون من تخصصات مغايرة استطاعوا  حساب الأبعاد / الفراغات / المساحات و حركة الناس داخل المباني بصفة عامة و ليس فقط داخل المؤسسات الصحية … ضبط الأشكال و كل تفاصيل المتعلقة بالمكان بما فيها الأضواء و تأثيرها على المحيط و على نوع النشاط .. تأثير الألوان على نفسية من يشغل المكان .. لولا  المهندس المدني المكلف بإنشاء التصاميم المتعلقة بالمخططات المعمارية لا ما تمكن المعماري تنفيذ مشروعه على أرض الواقع بالمواصفات التقنية المطلوبة..

لولا ذلك عامل البناء البسيط الذي تعب في الحر لما شيد البناء..و الكهربائي و التقنيين .. و حلقة طويلة و معقدة  من المتدخلين في عملية التعمير و البناء لما وجد الناس سقوف تحميهم حر الشمس، وقساوة البرد..

في جانب آخر من حياتنا اليومية العادية و البسيطة كبشر.. منطقيا لدينا احتياجات ضرورية  متنوعة مثلا ضرورة تواجد بائع الخضر والفاكهة .. و الجزار و بائع المواد الغذائية .. الفلاح الصغير كما الكبير و دورهم في حياتنا اليومية لما استطعنا التزود بما نحتاج من غداء..

وقس على ذلك..الباقي من التخصصات التي لم أذكرها هنا – هي كثيرة ولا تسعني السطور التعريج عليهاـ.
أما التفرقة فلا تساعدنا على العيش داخل المجتمع بشكل منتظم و سلس يلبي فيه كل واحد منا احتياجه ضمن المباح و في إطار إحترام الآخر  … و إلا كيف سيعالج الناس من الأسقام و كل البشر معماريين أو بتخصص هندسة مدنية / أو تخصصات هندسية متفرقة ؟!

و كيف ستشيد الأبنية و كل البشر أطباء ؟!

و كيف سنزع قوت يومنا و نحصده من أجل الزاد و كلنا كهربائيين أو إقتصاديين ؟!

و كيف ننجو من مخاطر الحبس إن لم يكن بيننا محاميين ؟!

و كيف تضبط حسابات الشركات  و الجميع فنيي جرافيك ؟!

و كيف كان لنا أن نعرف أخبار العالم و نحن جلوس في بيوتنا لولا وجود جنود مهنة المتاعب ؟! ( الصحافيين )

فضلا أريد جوابا إن وجد .

الكل يساهم من موقعه و ملعب احترافه ، في إفادة الآخر من محيطه، لذا شخصيا لا أؤمن أن هناك أناس في مواقع أفضل من أخرى أو مهن فضلى من أخرى  … لكل منا دوره و كل منا يكمل الآخر في جانب ينقصه هو !

لذا الترابط و التلاحم هو الحل الوحيد لكي نعيش معاً على هاته الرقعة الجغرافية التي تسمى الأرض بسلام .. خصوصا وقت المحن !

و لمن يسعى بطرق خفية للحط من الآخر في زماننا العادي أو زمان العلة و التوعك …  أقول له فضلا منك و أرجوك رجاءا يكفى نشر الحزازات و إشعال نيران الفتن بين بعضنا البعض  خصوصا حين السقم ولو كان أسلوبك منمق و فيه من ضبط قواعد اللغة ما فيه..

ختاما  علاقة بني البشر علاقة تكامل و ليست علاقة تفاخر و تفاضل  أو حتى تقزيم للآخر … معادلة بسيطة للغاية متحدين نقف متفرقين نسقط .

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)