نهضة صناعية رهينة بامتلاك و تطوير التقنية

بدر الدين عدلي
مقاول

 

أعادت إلى ذهننا الأزمة الصحية الراهنة و ما ترتب عنها من أثر اجتماعيأقتصادي، تبعته إجراءات استثنائية و خروج عن المألوف من عمل الإدارة و سلوك المواطنين السؤال القديم الجديد حول النموذج النهضوي الذي نريده للامة المغربية. و على الرغم من أننا لا نحتاج إلى كارثة صحية بحجم التي نعيشها اليوم للتفكير في سبل تحرير إمكانيات هذا البلد لتبوأ مكانه في مصاف الأمم المتقدمة فاننا نستخلص منها ما قد يدعم الإدارة في ترتيب أو اعادة ترتيب الأولويات في النموذج التنموي الذي ترعاه، و توجهه و تعيد بناء الثقافة الاقتصادية عبره.

 

تطور الاقتصاد التقليدي في المغرب خلال العقدين الأخيرين بشكل ملحوظ جدا، و يعود الفضل في ذلك إلى ما تمتع به من استقرار سياسي و إدارة مالية صلبة و مقاومة. إلا ان هذا التطور ذاته اتسم بتواضع شديد فهو – بطبيعة الحال – ليس بالمعجزة الاقتصادية و مع الأسف لم يحقق توازنا اجتماعيًا كان مرغوبا فيه ، عدا بعض الإنجازات على مستوى بعض المؤشرات الكمية تظل نسبية و محدودة.

 

نرى في كل ذلك أنه قد تم تسجيل فشل جزئي في التخطيط وجب بسببه اعادة النظر في الأهداف المسطرة و ترتيبها حسب درجة الأولوية و اعتبار التنمية الاجتماعية رافعة و داعمة للتنمية الاقتصادية. و في هذا السياق يأتي التفكير في تحرير قدرات المغرب ليصبح أمة مقاولات-ناشئة تجعل من التكنولوجيا سبيلا لتحقيق الربح المشروط بالتجاوب مع الحاجات “الحقيقية” لافراد الأمة ثم إقليمها و العالم في إطار اقتصاد مرتكز على التقاسم و التشارك عوض ما نحن عليه الآن.

 

و نقصد بالحاجات ” الحقيقية ” ما يتعلق بتطوير ما هو حيوي من الصناعات و الخدمات من اعادة تأهيل القطاعات الاجتماعية (الصحة و التعليم و التشغيل) باعتماد التقنيات كخطوة أساسية تساهم بشكل مباشر في تحرير الإنسان محور التنمية في ما نحن بصدد نقاشه هنا، بشكل متزامن مع تأهيل و تقوية القالب الذي يرعاها : الإدارة.

 

فان افترضنا ان نموذجا لنهضة اقتصاد المغرب يكون عبر تحويله إلى اقتصاد صديق للمقاولاتألناشئة، فلعله من الطبيعي ان نتحرى عن مدى جاهزيته للأمر. و الجواب في نظرنا مرتبط أولا بدراسة “سلوك” المقاولات-الناشئة الحالية التي تعمل في المجالات الحيوية لنتحقق من أهليتها لتكون قاطرة لنهضة صناعية من عدمها، ثم ثانيا النظر في مساطر تكوين و إنجاز الأعمال و تحديث و تدقيق الدراسات حول مناخ الأعمال من شروط ولوج الأسواق حتى التمويل و أخيرا مدى توافقه مع الرؤى الاستراتيجية للإدارة و الدولة بشكل عام.

 

و قد جعلنا سلوك المقاولين على رأس قائمة الشروط لأنهم الحلقة الأهم في النموذج و الأقوى ان صح التعبير ، فالمقاول يرجع له القرار الأخير في توجيه جهده و ضبط سلوكه في شكل يتماشي مع ما نريد الترويج له هنا : أي نحو مشاريع مربحة مشروطة بالاستجابة للحاجات الحقيقية للمجتمع المستهلك. سلوك المقاول لا يختزل في قراره التجاري فقط الذي يتخذه طبقا لتحليله لمعطيات اقتصادية بحتة إنما يتعدى ذلك إلى الحريات الشخصية و الأدوار التي يقوم بها في المجتمع خارج نطاق عمله و هو بنفس أهمية سلوكه الأول.

 

إن نهضتنا الصناعية رهينة بامتلاكنا عبر “افضلنا” للتكنولوجيا.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)