الأزمة غير المستجدة

تزامنا مع تسجيل إصابات جديدة بفيروس كورونا المستجد في بلادنا، ظهرت بعض مقاطع فيديو صورها مرضى من أكثر من مدينة تبين وجود مشاكل كبيرة في جدية وكفاية التدابير المتخذة للتكفل بهؤلاء المرضى في بعض النقط، ورغم أنه أمر وارد الحدوث وكان يمكن أن يمر كريما في غمرة الأخبار الأخرى التي تتناسل دون توقف، إلا أن ردود الفعل حوله استحقت مرة أخرى أن تكون خبرا بذاتها.
مقاطع الفيديو التي تسربت من داخل أجنحة العزل في أكثر من مستشفى لا يمكن الرد عليها بأكثر من فتح تحقيق وتصحيح للوضع واعتذار للمتضررين، أما استعراض البلاغات والبلاغات المفصلة والنافية والمتممة، وتلك التي تحتاج بلاغات أخرى لشرح مضمونها فليس من الحكمة في شيء، ولن تنفي بأي حال وقوع الخلل وثبوت التقصير، فضلا على أن الوضعية السيئة التي يتخبط فيها قطاع الصحة في المغرب ليست بالأمر المستجد.
هذا على المستوى الرسمي، أما التعاطي الشعبي مع هذه المقاطع المصورة، والذي جاء على شكل تدوينات وتعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي فقد ركز -في مجمله للأسف- على التوجه باللوم للأطباء والممرضين أو للمرضى أنفسهم الذين نقلوا بعضا من تجربتهم السيئة كما وثقوها، ما تسبب بدوره بسلسلة من الردود من مهنيي القطاع، في أخذ ورد لم يهدأ بعد.
وقد يبدو من نافلة القول بأن هذه الوضعية ليست خطأ الأطباء والممرضين، وليست مسؤوليتهم بالأساس، وليسوا مطالبين بأكثر من بذل العناية الطبية، ولا شأن ولا طاقة لهم بتوفير الأجهزة ولا ترتيب الوجبات ولا تنظيم خطط ومسارات عمال النظافة، وكيف يكونون كذلك وهم أنفسهم يشتكون من سوء خدمة المطابخ في المستشفيات، ومن بؤس الوجبات التي تقدم لهم، وكيف وهم أول المتضررين من انعدام شروط النظافة وانتشار القذارة.
لقد تابع المغاربة في وقت سابق إضرابات الأطباء والممرضين ومهنيي قطاع الصحة المطالبة بتحسين شروط العمل، واليوم بفضل عشرات المقاطع المصورة من داخل مختلف المؤسسات الاستشفائية الجهوية والإقليمية باتوا يعرفون ماذا كان يُقصد بتحسين شروط الممارسة.
في الجهة الأخرى المنكرون على المرضى الذين أخرجوا هذه المقاطع للعلن بدعوى أنهم يكيدون ويكذبون، أو بزعم أنهم بذلك ينشرون الهلع ويسيئون للدولة، والذين فيما يبدو يعانون من متلازمة لوم الضحية، ربما لم يضطروا في حياتهم قط لطلب خدمات مؤسسة صحية عمومية، لذلك يجدون الأمر غريبا لا يفسره لهم سوى البحث عن ملامح مؤامرة، وقد كان الأولى بهم التوجه باللوم لمن يتحمل مسؤولية الوضع الذي يتواجد فيه المرضى والذي يفاقم معاناتهم الجسدية والنفسية.
والحقيقة أن لا شيء مما ود في تلك الشهادات غريب أو جديد علينا، ونحن جميعا عرفناه وعانيناه وكتبنا عنه، حتى صارت لازمة على أفواهنا ’’لهلا يوصل شي مسلم للسبيطارات‘‘، ولسنا هنا بصدد الحسم بشأن المسؤول وتعليق المشانق له، لكن للتأكيد قطعا على أنه ليس الطبيب ولا الممرض أو التقني أو الإداري أو حارس الأمن أو عامل النظافة، والذين يتقاسمون جميعا ذلك المحيط ويعنيهم أكثر من غيرهم تأهيله بما يحفظ كرامتهم أولا ثم يسهل أدائهم لوظائفهم الصعبة والحساسة ثانيا.
لهذا لا أرى أساسا للوم المرضى الذين صوروا دقائق من معاناة استمرت معهم لأيام أو لساعات طويلة، كما لا فائدة من لوم مهنيي القطاع لأن ذلك لن يغير شيئا في الواقع، كما لا حاجة لهؤلاء للخروج للرد على ما يكتب ضدهم فالوقت ليس مناسبا بتاتا لإعادة التذكير بدروس من يتحمل مسؤولية ماذا.
وأخيرا، لعل تدخل الملك بتكليف ممون خاص بالاهتمام بغذاء المرضى يعد شهادة على صدق ادعاءاتهم، وعلى اعتراف بقصور في العناية بهم، وموقفا محرجا للذين زايدوا على المرضى مطالبين إياهم بمقاومة الفيروس بأجساد واهنة وأفواه خرساء.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)