عامان على حراك جرادة 2/2

ذكرى تصفية الاحتجاج إذا هي فرصة لمراجعة ما تحقق من ملف مطلبي اتفقت عليه كافة أطياف المدينة وخرجت في أشكال احتجاجية مختلفة على مدار ثلاثة أشهر متواصلة من أجل تحقيقه، وكما أن المطلبين الأوليين المتعلقين بتوفير بديل اقتصادي تنموي، ومحاسبة المسؤولين المتعاقبين على تسيير شؤون المدينة خلال فترة ما بعد تصفية مناجم الفحم، لم يترجما للواقع فذلك الحال مع مطلب الحراك الثالث وهو المناشدة بإعفاء أهالي المدينة من أداء فواتير الماء والكهرباء.

هذه المطالبة جاءت بهدف جبر الضرر المترتب عن المحطات الحرارية المتواجدة في المدينة، والتي تتسبب للساكنة بالعديد من المشاكل الصحية إضافة للضجيج وثلوث البيئة، وتعتبر أزمة الفواتير هذه هي الشرارة الأولى لانطلاق الحراك أواخر سنة 2017، قبل أن تأتي فاجعة وفاة الأخوين الدعيوي ردما في آبار استخراج الفحم العشوائية، لتكون النقطة التي أفاضت كأس الحراك.

هذه المطالبة لها ما يبررها فقد أنجز المختبر الوطني للدراسات ورصد التلوث، التابع لكتابة الدولة المكلفة بالتنمية المستدامة، في يناير 2019، تقريرا أكد وجود تلوث صوتي يفوق المعدل المسموح به من طرف الأمم المتحدة، إضافة لتلوث الهواء بسبب بعض المواد المستعملة في عملية إنتاج الكهرباء، والتي تبلغ ضعف المعيار الوطني، وتصل لأربعة أضعاف وقت الذروة، وهي العتبة التي تستدعي إعلان إنذار للعموم لتوخي الحذر حسب تقرير المختبر دائما.
من هنا جاءت شرعية المطالبة بإعفاء الساكنة من أداء الفواتير كمطلب أولي قامت من أجله احتجاجات 1017-2018، وفعلا بدأت مقاطعة أداء الفواتير وما تزال مستمرة لليوم، لكن دون إيجاد حل حقيقي لهذه الأزمة سواء عبر تحقيق مطلب الساكنة أو بإجراء آخر يضمن أسعارا تفضيلية جبرا للضرر.

وفي المقابل يتم تهديد السكان بإزالة عدادات الكهرباء كرد على الامتناع عن الأداء، وهو الإجراء الذي بدأ تنفيذه بالفعل في بعض الأحياء ما جعل الاحتجاجات تعود لجرادة في يناير 2020 عندما خرج العشرات من السكان من جديد للاحتجاج على محاولات أعوان المكتب الوطني للماء والكهرباء نزع عدادات الكهرباء من المنازل.

وكانت السلطات سبق ووعدت بإعادة النظر في مسألة الفواتير المتراكمة أو إعادة جدولتها بما لا يشكل عبئا على القدرة المالية الضعيفة أصلا للساكنة لكن دون جدوى، ليبقى هذا الملف عالقا ويفاقم معاناة الساكنة مع الضرر الناتج عن المحطة الحرارية من جهة، ومع ديون الفواتير المتراكمة من جهة أخرى، وسط التهديد بانتزاع العدادات وحرمان الناس من الكهرباء.

المعتقلون الذي أودعوا السجون على خلفية الحراك، والذين تم إطلاق سراحهم بعد حوالي 15 شهرا بعفو ملكي، يراوحون مكانهم في ظل عدم وجود أي تغيير، وفي ظل الخوف من المكانة التي أصبح يحظى بها هؤلاء وبإمكانية تحريكهم وتزعمهم لموجة جديدة من الاحتجاج أصبح الكثير منهم معرضا لمضايقات مختلفة، بلغت حد عدم السماح لهم باستئناف أعمالهم السابقة بإيعاز من السلطة، كما هو الحال بالنسبة لعمال المحطة الحرارية الرابعة.

نفس الجمود يعرفه ملف الطفل عبد المولى زعيقر ضحية عملية الدهس المتعمدة من طرف القوات العمومية أثناء فض اعتصامات الأربعاء الأسود كما كان شاهدا على ذلك الآلاف ممن تابعوا الفيديو الذي يوثق هذه الجريمة، وبعد عامين كان من الممكن أن يشكلا فرقا حقيقيا في علاجه وإنقاذ مستقبله، لا يزال الطفل طريح الفراش ووضعه يتطور نحو الأسوأ في تنكر تام له وهروب من مسؤولية علاجه وتعويضه ومعاقبة مرتكبي هذه الجريمة في حقه.

وختاما، فجرادة اليوم بعد مرور عامين على حراكها الاجتماعي لم يتغير فيها سوى أسباب الغضب التي تنوعت وتفاقمت، أما الحديث عن تدبير الحلول وتحقيق المطالب فهو لا يتجاوز عتبة الحديث الذي يراهن على ذاكرة العوام.

كلمات دلالية
شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)