عامان على حراك جرادة 2/1

قبل أقل من ثلاثة أشهر حلت الذكرى الثانية لانطلاق حراك جرادة، مدينة الفحم المنزوية في أقصى الشرق المعزول حتى قبل ظهور الكورونا، وخلال اليومين القادمين ستحل ذكرى الأربعاء الأسود، اليوم الذي شهد غضبة السلطة على المدينة وتحويلها لساحة حرب تم خلالها إعدام الحراك الاجتماعي في الميدان العام.

وبعد مرور سنتين على الحراك الذي أضاف فصلا استثنائيا لتاريخ المدينة، وفتح أعين الإعلام عليها، ومنحها مكانة الرديف لحراك الريف في سياق أي حديث يتناول الاحتجاجات في المغرب، ورغم أننا استدبرنا قرابة الربع من سنة 2020 بما حملوها من وعود وانتظارات، مازالت ارهاصات الغضب حاضرة وتأخذ أشكال كثيرة، بداية بحالة التذمر التي تسود المدينة ووصولا للاحتجاجات والاعتصامات الفردية أو الفئوية، في تعبير لا يحتمل تفسيرا ثان عن استمرار الأزمة.

ولعل تذكيرا صغيرا بالملف الذي خرجت ساكنة جرادة للمطالبة بتحقيقه إبان الحراك الأخير كاف للتدليل على أن الشيء الوحيد الذي تحقق هو محاولة ربح الوقت في أفق انتظار ما سيرشح من مُسكنات جديدة خلال الاستحقاقات القادمة.

عنوان الاحتجاجات -كما يحب المجلس الوطني لحقوق الإنسان أن يسميها- التي اندلعت في جرادة كان إيجاد بديل اقتصادي يوفر على شباب المدينة الموت في آبار استخراج الفحم العشوائية، بعد الحصيلة الثقيلة المسجلة والتي بلغت آنذاك بعد وفاة الشقيقين الدعيوي 42 شهيدا، وهو نفسه -أي البديل الاقتصادي- يعتبر أهم ما حوته أوراق اتفاق 17 فبراير 1998 القاضي بتصفية منجم الفحم الذي كان القلب النابض للمدينة، حيث قضى الاتفاق بإحداث صندوق خاص لتمويل مشاريع عمومية، وأخرى خاصة، وتهيئة منطقة صناعية لجذب الاستثمارات، وفك العزلة عن المدينة، الاتفاق الذي لم يعرف طريق التنفيذ لا خلال العشرين سنة التي تلت إغلاق مناجم الفحم، ولا خلال السنتين الماضيتين عقب الحراك الاجتماعي.

سلة الوعود الحكومية التي ساوم بها السيد العثماني أهل المدينة للتوقف عن الخروج والتظاهر في فترة دقيقة جدا كان خلالها اهتمام الحكومة منصبا بالكامل على الإجهاز النهائي على حراك الريف، لم يتحقق منها ما يمكن اعتباره بديلا اقتصاديا يعالج أزمة البطالة في المدينة التي تشير التقارير إلى أنها أربعة أضعاف مثيلتها الوطنية، ولا أيضا استطاعت إيقاف النشاط العشوائي في استخراج الفحم بما يشكله من خطورة على ممارسيه، أو إعادة هيكلته بما يضمن سلامة الشباب العاملين فيه أولا، ثم حمايتهم من الاستغلال الذي يمارسه عليهم المستفيدون من الريع أو الأباطرة والبارونات بتعبير أهل المدينة خلال مرحلة تسويق ما يستخرجونه من فحم، ليستمر النشاط العشوائي لاستخراج الفحم على حاله ويستمر معه عداد الموت دائرا.

واقع المدينة بعد سنتين يجزم بأن لا شيء تحقق من البديل الاقتصادي المنشود سوى كثرة الخرجات المصورة لما يعتبر مشاريعا تنموية يتبين نهاية أنها تتعلق بتوزيع سيارات لفائدة المرضى، أو توسيع دور للطلبة، أو إنجاز مركب رياضي أو ثقافي أو مسبح. وعليه فحصيلة هذين العامين في النهاية لن تكون أكبر من حصيلة العشرين عاما، لأن التحدي لم يكن يوما يتعلق بالوقت، بل بوجود إرادة لإنقاذ المدينة من قدر الهامش الذي يلازمها، ولأن الخوض في تحقيق الإقلاع يقتضي بالضرورة الإضرار بمصالح المستفيدين من بقاء الوضع على ما هو عليه، ولأن الأمر يتعلق بوجود مافيا الفساد والاستغلال، وعدم حضور هم تنمية هذه المناطق لدى الحكومة الضعيفة أصلا، فإن الحديث عن خلق بديل اقتصادي تنموي حقيقي يرد الاعتبار لهذه المدينة التي كانت في فترة سابقة منارة اقتصادية ضرب من ضروب المحال.

ضمن الملف المطلبي أيضا وردت نقطة محاسبة المسؤولين المتعاقبين على تسيير المدينة خلال عشرين عاما الأخيرة، والذين تسببوا في بلوغها مرحلة الاحتضار، وظلوا يقتاتون على فقرها وعوز شبابها الذين استعملوهم فؤوسا حفروا بها الأرض السوداء واستأثروا بخيراتها وراكموا الثروات واللعنات معا، وقد كان هذا المطلب موضع أخذ ورد واعتبره البعض سببا كافيا لإسقاط الملف المطلبي كله، وذلك لاستحالة تحقيقه ضمن الشروط الحالية، لأن الفساد ضارب من أسفل السلم حتى أعلاه، والجميع متورط بدرجات متفاوتة، وعليه فلا متابعات حقيقية يمكن أن تُحرك في هذا الباب اللهم بعض ما يمكن اعتباره عملية تصفية حسابات ومعارك كسر عظم بين الفرقاء السياسيين كما حدث مع ورئيس مجلس الجهة وأحد برلمانيي المدينة.

النقطة الأخيرة في الملف المطلبي والتي تعلقت برفض أداء فواتير الماء والكهرباء، إضافة لتطورات ملف المعتقلين المفرج عنهم، وملف الطفل عبد المولى زعيقر ضحية عملية الدهس من طرف القوات العمومية أتركها جميعا لمقال الأسبوع القادم تفاديا للإطالة.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)