المغاربة و”الكورونا”

كان ليحظى خبر ظهور وانتشار فيروس “كورونا” (كوفيد-19 حسب التسمية الجديدة) خاصة بعد اجتياحه لأربعين دولة مخلفا أكثر من 80 ألفا مصابا، وسط مخاوف منظمة الصحة العالمية من تحوله لوباء عالمي، كان ليحظى بالاهتمام والمتابعة لولا أننا في بلد تغطي فيه تعليقات الناس وتعاملهم مع الأحداث على الأحداث نفسها، فتصبح أجدر بالمتابعة والتحليل.

 

وقد تباينت آراء المغاربة لما يقع في العالم اليوم بسبب فيروس “كورونا”، فهناك من ينكرون علينا حذرنا وخوفنا من التهديد الذي صار يشكله الفيروس بسبب تبنيهم لطرح المؤامرة والحرب البيولوجية لعلل سياسية واقتصادية، معتبرين ما يقع واحدا من أوجه الصراع الصيني الأمريكي المستمر، مستندين في طرحهم على ما أوردته تقارير صحفية، مرة في صحيفة ديلي ميل البريطانية، والتي قالت أن مصادر روسية أشارت إلى مسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية عن انتشار الوباء وتفشيه في الصين على هذا النحو الكبير، وأن الأهداف الحقيقية لذلك تكمن في سعي واشنطن لاستخدام الفيروس كسلاح بيولوجي واقتصادي ضد الصين. ومرة أخرى في صحيفة واشنطن تايمز الأمريكية، التي أكدت أيضا بأن تفشي الوباء متعمد، ولكن هذه المرة حملت المسؤولية للصين، ونشرت ما قالت إنها معلومات سرية سربها ضابط سابق في الاستخبارات العسكرية الصينية قال فيها أن معهد “ووهان ” لعلم الفيروسات هو من طور ذلك السلاح الحيوي الجديد، لمهاجمة أهداف في العالم.

 

وإن كان هؤلاء لم يتفقوا للآن عن المسؤول عن تطوير ونشر الفيروس، فإن قناعتهم لا تتزحزح بكونه نوعا من الحروب الجديدة التي تهدف للحد من السيطرة والإضعاف ونشر الخوف لأهداف تتعلق بالهيمنة و “قيادة العالم “.

 

في المقابل هنالك من لا يهتم بصراع القوى والسياقات السياسية، فما لبث أن جعل من موضوع “كورونا ” مادة دسمة لإطلاق النكات والسخرية وحتى للتنمر في مراحل لاحقة، ما طور سلوكا عدائيا اتجاه كل ما يتعلق بالصين بلد منشأه، كما حدث لمن يبدو أنها سائحة صينية وسط أحد أسواق المغرب عندما بدأ مرتادوه يصيحون “كورونا كورونا ” عند مرورها، نفس التعاليق العنصرية راجت بعد إعلان ظهور حالة إصابة في الجارة الجزائر، وصلت لحد القول بتراجع المغاربة عن المطالبة بفتح الحدود. وغير ذلك كثير من سلوكيات عدائية وتهكمية تصدر اتجاه مرضى الرشح وكل من يصدر منه عطاس أو سعال.

 

كأن لسان حال هؤلاء يقول إن كنا لا نفلح في تحويل الأزمة إلى فرصة، فنحن نستطيع تحويلها إلى نكتة. حتى إذا تعلق الأمر بفيروس يهدد باجتياح العالم محققا عددا من الوفيات لا يستهان به، بدون أفق واضح إلى حد الآن في خطط المواجهة.

 

وهنالك أخيرا محامو السماء، المتحدثون باسم مقدر الأقدار، والذين اعتبروا أن “الكورونا” عقاب من الإله للصينيين بسبب احتجاز واضطهاد مسلمي الإيغور في مقاطعة شينجيانغ، دون أن ينتبهوا أن هؤلاء أيضا مهددون بالموت بسبب الفيروس، اللهم إلا إذا كان من ضمن خطة العقاب الإلهية حسب هؤلاء إنهاء معاناة الإيغور بالقضاء عليهم بسبب الفيروس، هذه الفئة التي كادت تحتفل بسبب انتشار الفيروس في الصين سكت صوتها حتى تسجيل أول إصابة في إسرائيل ليبدأ الاحتفال مرة أخرى، في تناس تام لشعب مسلم أيضا موجود على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة سيكون مهددا أيضا بالعدوى.

 

هكذا صرنا ننتقل من الاهتمام بالخبر ومعرفة مستجداته إلى الاهتمام بفهم وتصنيف ردود الفعل حوله، وما يمكنها أن تخبرنا به حول طبيعتنا ومستويات أفهامنا وإدراكنا، محاولين استشراف ردود الفعل الممكنة في حالات مشابهة يتوقف فيها النجاح والفشل على ردود فعل المجتمع، ما نصل معه لنتائج غير مبشرة حقا. على أننا يجد أن نتذكر أن ما يهدد حياتنا واستقرارنا أمور عدة ليس “كورونا ” إلا مستجدا بينها.

شارك المقال
  • تم النسخ
تعليقات ( 0 )

اترك تعليقاً

1000 / 1000 (عدد الأحرف المتبقية)